من الأرض ملكاً لملاك من سكان المدن الذين آمنوا بأن أرباحهم التجارية يمكن أن تزال رائحتها الكريهة باستثمارها في الأرض. وحتى في مجال الزراعة أحرز النشاط والبراعة الهولنديتان قصب السبق على أوربا، وكانت السدود والخزانات الجديدة تستصلح دوماً الأرض من البحر، وأخصبت القنوات المزارع وأنعشت التجارة، وقامت فلاحة البساتين جنباً إلى جنب، مع تربية الماشية، وكلتاهما على نطاق واسع، لتكمل كل منهما الأخرى. وفي أخريات القرن السادس عشر بلغ المهندسون الهولنديون بطاحونة الهواء ذروة الإتقان مثلما فعل الرسامون الهولنديون بالفن. وكان نصف الصناعة لا يزال يدوياً اللهم إلا في التعدين ومعالجة المعادن ونسج الأقمشة وتكرير السكر وصنع الجعة، فإن هذه الصناعات تتقدم على نطاق أكبر وأكثر ربحاً وأقل إسعاداً للناس، وأبحر في كل عام من الثغور الهولندية ١٥٠٠ سفينة ذات صاريين لصيد السردين. وكان بناء السفن من الصناعات الكبيرة. وفي أثناء الهدنة مع أسبانيا (١٦٠٩ - ١٦٢١) أرسلت الأراضي الوطيئة ١٦ ألف سفينة حمولة كل منها ٥٧ طناً في المتوسط، عليها من الملاحين نحو ١٦٠ ألفاً-أكثر من إنجلترا وأسبانيا وفرنسا مجتمعة (٨٢).
وتلهب الربابنة الهولنديون على المنافذ التجارية والمواد الخام فارتادوا البحار المجهولة. وفي ١٥٨٤ وطد التجار الهولنديون أنفسهم في أركنجل، وتقدموا برغم الثلوج المتجمدة في محاولة عقيمة للعثور على "طريق شمالي شرقي" إلى الصين، ومن ثم يفوزون بجائزة قدرها ٢٥ ألف فلورين قدمتها الحكومة الهولندية. وإن الأسماء الهولندية في الخرائط الحديثة لأرخبيل سبتسبرجن (في النرويج) لتعيد إلى الذاكرة رحلات وليم بارنت الذي فقد حياته في الشتاء على ثلوج جزر نوفايا زمليا (١٦٩٧). وفي ١٥٩٣ أبحر الهولنديون المغامرون عبر أنهار غانة (ساحل الذهب) في إفريقية، وعقدوا أواصر الصداقة مع المواطنين هناك، وبدأوا معهم تجارة واسعة نشطة.