ومن بين مائة شاعر في هولندة سما باللغة العامية إلى ذروتها الأدبية. منهم جاكوب كاتس المتقاعد الكبير لمدة اثنتين وعشرين عاماً، الذي بسط حكمه الأمثال السائرة في شعر متبل بالحكايات الطريفة المفعمة بالحيوية، حتى ظلت كتابات "الأب كاتي" لعدة قرون، من مقتنيات كل بيت يعرف أهله القراءة والكتابة في هولندة، أما جوست فان دن فوندل فقد تغلب على كل المحن وكل الأعداء، حتى تبوأ مكانة عالية في الأدب الهولندي. وكان أبوه صانع قبعات نفي من أنتورب بسبب آرائه المؤيدة لمذهب تجديد العماد. وولد جوست في كولون. وفي ١٥٩٧ استقر بالأسرة المقام في أمستردام، وافتتح الوالد، الذي تقلب من مذهب إلى مذهب، محلاً لصناعة الجوارب، وورث جوست عمل أبيه ولكنه ترك إدارته لزوجته وابنه، على حين عمل هو على تعويض ما فاته من التعليم الرسمي بدراسة اللاتينية والإيطالية والفرنسية والألمانية، وكتب رواياته الثمان والعشرين وفق نماذج إغريقية وفرنسية، وحرص فيها على أتباع نظام الوحدات بدقة. وسخر من فكرة الجبرية أو القضاء والقدر ومن الجدل بين الشيع البروتستانتية, وافتتن بجمال الشعائر الكاثوليكية، وبماريا تسلكاد التي كانت كاثوليكية وجميلة معاً. وبعد موت زوجها (١٦٣٤) وموت زوجته هو (١٦٣٥) توثقت أواصر الصداقة بينهما: وفي ١٦٤٠ اعتنق المذهب الكاثوليكي. واستمر ينتقد بشدة الأحقاد الدينية والمخادعات والحيل الاقتصادية والفساد السياسي، وكسب قلوب الهولنديين بالتغني بشجاعة الأرض الوطيئة ومجدها. وفي ١٦٥٧ أفلست صناعة الجوارب التي أساء ابنه إدارتها، وهرب الابن إلى جزر الهند الشرقية، وباع كل ممتلكاته المتواضعة ليرضى دائنيه، وظل لعشر سنين يكسب قوت يومه من العمل بوظيفة كاتب لدى مقرض نقود، وأخيراً أجرت عليه حكومته معاشاً، وقضى في هدوء الثلاثة عشر عاماً الأخيرة من عمره الذي بلغ اثنين وتسعين عاماً.
أما أعظم الشخصيات جاذبية في أدب الأراضي الوطيئة في هذا العصر،