أنهم كتبوا باللاتينية التي كانت في طريقها إلى الفناء، أو بالهولندية التي ضيقت نطاق قرائهم. فإن الهولنديين لم يتسن لهم أن يجعلوا من لغتهم، على غرار بحريتهم واسطة مشتركة لنقل الأدب والفكر. واعتقد ديرك كورنهرت وهيدريك سبيجل أن اللغة الوطنية المفعمة بالحيوية أداة لنقل الفكر والأدب، وكافحا لتنقيتها من الإضافات الغريبة الدخيلة غير المتجانسة وغير الملائمة-وكان كونهرت-وهو فنان، وكاتب، ورجل دولة وسياسة، وفيلسوف-أول وأقوى شخصية في التفتح الثقافي الذي توج الثورة السياسية. وبوصفه أميناً عاماً للمدينة صاغ بيان ١٥٦٦ لوليم أورانج، فأودع السجن في لاهاي، ثم هرب إلى كليفز وكسب قوته من مهارته في الحفر على الخشب والمعادن، وترجم الأوديسة وأعمال بوكاشيو وشيشرون والعهد الجديد (الإنجيل). ولما عاد إلى هولندة كافح في سبيل التسامح الديني، ورمز إلى التاريخ الفكري في القرن التالي-السابع عسر-حين تخلى عن عقيدته التي رأى أنها قد تشوهت وتلوثت بالصراعات الدامية إلى حد كبير. وأصبح "لا أدرياً" معترفاً بأن الإنسان لم يستطيع أن يعرف الحقيقة (٩٩)، وعرض في كتابه الأساسي "فن الحياة الطيبة" مسيحية بغير لاهوت، أي منهاجاً أخلاقياً مستقلاً عن المذاهب الدينية. ونتيجة لشيء من الأعضاء أتيح له أن يموت ميتة طبيعية (١٥٩٠).
وتميزت هولندة بأن رجال الأعمال فيها كثيراً ما خلطوا بين الأدب وبين شئونهم المادية، ومن ذلك أن رومرفسكر. وهو تاجر ثري في أمستردام، ساعد صغار الكتاب وأكرم وفادتهم، وجعل من بيته منتدى (صالوناً) يباري منتديات فرنسا، ونظم هو نفسه شعراً أكسبه لقب "الهولندي الشجاع" أما بيتر هوفت فقد جعل من قصره في ببدون على الزيدرزي ملاذاً لعصر النهضة في هولندة، فاستقبل بالترحاب في "حلقة ميودين" الشعراء ورجال العلم والدبلوماسيين والقواد والأطباء. وفي العشرين سنة الأخيرة من حياته، كتب هو نفسه "تاريخ الأراضي الوطيئة" روى فيه قصة ثورة الأراضي في نثر قوي رائع، جعل هولندة تكرمه وتحتفل به وكأنه يمثل المؤرخ الروماني "تاسيتس" في هولندة.