إلى لوحة تمثله هو وزوجته، ولكن السدود والكثبان الرملية وطواحين الهواء والأكواخ والسفن الشرعية والأرصفة الزاخرة بالبضائع، كل هذه أحيت صورها على الجدران في سرور بالغ، ذكريات أشياء فعلية عامة. ولقيت مناظر السكارى المرحين ورواد الحانات بل حتى المواخير، ترحيباً في بيوت ربما كانت تعلق منذ قرن مضى صور الشهداء القديسين وأبطال التاريخ أو آلهة الوثنيين. ولم تكن الصور العارية من سمات هذا العصر، حيث لم يبتهج لها الناس في مثل هذا المناخ الرطب مع الأجسام الضخمة. وبدا في هذه البيئة الجديدة أنه ليس ثمة محل تميز به الفن الإيطالي من عبادة الجمال والرقة والتهذيب والوقار، حيث لم تتطلب هذه البيئة من الفن شيئاً أكثر من إخراج الحياة اليومية والمشاهد المألوفة.
وثمة جانب كئيب حزين في صورة الأمة التي أغرمت بالرسوم إلى حد الجنون. وذلك أن الفنانين الذين رسموا لها عانوا في أغلب الأحياء من الفقر ولم يحظوا إلا بأقل التقدير. على حين أن الأرشيدوق واللوردات والأساقفة في الفلاندرز أجزلوا العطاء لمن اصطفوا من الفنانين. أما في هولندة فكانت المنافسة بين الفنانين فردية، فأنتجوا للسوق العامة، ووصلوا في معظم الأحوال إلى العملاء عن طريق وسطاء نشأوا بين المنتخبين والمستهلكين المشترين، وعرفوا كيف يشترون بثمن بخس ويبيعون بسعر عال. وقلما حصل الفنانون الهولنديون أثماناً عالية، فإن رمبرانت في ذروة شهرته لم يقبض إلا ١٦٠٠ جيلدر ثمناً للوحته "حراسة الليل" ولم يحصل فإن جوبين إلا على ٦٠٠ جيلدر ثمناً للوحة "منظر لاهاي"، وحصل الباقون على أقل من هذا بكثير، فإن جان ستين رسم ثلاث صور شخصية مقابل ٢٧ جيلدر، وباع ايزاك فان أوستاد ثلاث عشرة صورة مقابل مبلغ مماثل. وكان على الفنانين الهولنديين أن يلجأوا إلى مختلف الأعمال ليكسبوا قوت يومهم، فباع فان جويين الزنبق، واشتغل هوبيما بجباية الضرائب، وأدار ستين نزلاً،