استخدام خزف دلفت المزخرف في كل بيت في الأراضي الوطيئة تقريباً. وحوالي ١٦١٠، فور افتتاح التجارة الهولندية مع الشرق، بدأ خزافو دلفت في تقليد الخزف الصيني، وانتخبوا نوعاً من السيوليق (خزف مزخرف مطلي بالمينا) الرقيق الأزرق أسموه "البورسلين الهولندي (١٠٠) " وسرعان ما عرض نصف أوربا الغربية خزف دلفت على الجدران أو على الأرفف.
أما أعظم الفنون جميعاً في الأرض الوطيئة فكان الرسم. وليس في التاريخ المعروف لدينا بلد غير هذه البلد-ولا نستثني من ذلك إيطاليا النهضة-حظي فيه أي فن يمثل هذه الشعبية العارمة. وتضم فهارس الفن فيما بين عامي ١٥٨٠ - ١٧٠٠ خمسة عشر ألف رسم هولندي (١٠١)، وتأثر الفن الفلمنكي تأثراً شديداً بالفن الإيطالي، ولكن في المقاطعات الشمالية أثارت المقاومة الموفقة لسلطان أسبانيا روحاً قومية وكبرياء قومية، لم تكونا تحتاجان إلا إلى الثروة المستمدة من التجارة فيما وراء البحار، لتحدثا انفجاراً ثقافياً. فتحولوا بالفن إلى معارج جديدة من التطويع لحياتهم ومن الواقعية بعد أن كانت تتقلص عنه تماماً الرعاية الكنسية والأرستقراطية، وأصبح رعاة الفن وحماته الجدد هم التجار وعمد المدن والمحامون والمؤسسات والنقابات والكوميونات والمستشفيات، بل حتى المنشآت الخيرية، ومن ثم كانت الرسوم الشخصية والرسوم الجماعية ومشاهد الحياة اليومية. وكان لكل مدينة هولندية تقريباً مدرسة الفنانين الخاصة بها، تحت رعاية محلية: هارلم، ليدن، أوترخت، أمستردام، دوردرخت، دلفت، لاهاي. أما المواطنون البسطاء الذين ربما كانوا في بلاد أخرى أميين من حيث الفن، عالة على الكنيسة، فإنهم هنا زينوا بيوتهم بلوحات اشتروها أحياناً بثمن عال، ومن ذلك أن خبازاً أثبت سلامة ذوقه، بدفع ٦٠٠ فلورين (٥٧. ٠٠٠ دولار؟) ثمناً لصورة واحدة للفنان فريمير (١٠٢)، وكادت النزعة الدنيوية أن تكون عامة شاملة، فلم يعد للقديسين وجود في الرسوم، وجاء التجار، وانتصرت رسوم البيت والحقل على الكنيسة وازدهرت الواقعية، فنظر البرجوازي بشيء قليل من التقدير