فهنا خمس أنفس ارتسمت على خمسة وجوه ممتثلة مذعنة، لخمس نساء عجائز أرهقتهن الأعمال غير العادية، عابسات متجهمات متزمتات، كما يقتضي نظامهن البيوريتاني، وقد نسين مرح الشباب وبهجته. ومع ذلك، يتألق بشكل ما في هذه التقاطيع الكالحة عطف هادئ ومشاركة وجدانية حزينة. وهاتان الصورتان الأخيرتان هما آخر لمسات جرت بها يد الفنان أو ومضات لمعت في فنه، وهما الآن، إلى جانب لوحات مجموعات "الدولين"، موجودتان في متحف فرانس هالس الذي شادته مدينة هارلم في مكان ملجأ الفقراء.
مات هالس فقيراً معدماً (١٦٦٦) ولكنهم احتفلوا بدفنه احتفالاً مهيباً في هيكل كنيسة سانت بافون في المدينة التي اعتمدت شهرتها على الحصار الذي قاومته طويلاً، وعلى أعمال أعظم أبنائها. ولمدة قرنين من الزمان بعد وفاته كاد النسيان يجر عليه ذيوله، وبيعت لوحاته بأبخس الأثمان، أو في المزادات، أو بلا شيء مطلقاً، وإذا كان مؤرخو الفن قد تذكروه، فما ذاك إلا لأنهم تنبهوا إلى ضيق مجال فنه-فلم يكن ثمة صور دينية ولا أساطير ولا صور تاريخية ولا مشاهد طبيعية ولا صور عارية-أو إلى العجلة المدموغة بالإهمال والتهاون في طريقة عمله، حيث لم يكن ثمة مخططات تمهيدية، بل لطخات من ألوان متناثرة اعتمدت على التخمين وعلى ذاكرة الرائي ليملأها بالتفاصيل. واليوم يتعالى الهتاف للفنان، بشكل قد يكون مبالغة فيه، مما يتوازن مع طول إغفال شأنه كما يعتبر نقد كريم أن هالس ألمع رسام للصور الشخصية رآه العالم (١٢٠) ". وما دام الزمن، وهو أجدر القضاة بالثقة، يتذبذب في حكمه، فلنقنع نحن بالإعجاب.