لا يأبهون عادةً لعدد السكان أن يزيد إلى غير تحديد، لأن الأبناء مربحون لهم في ظروف الحياة السوية، ولئن أسف الرجل على شيء فذاك أنه يستحيل عليه أن يستولد امرأته البنين بغير البنات، أما المرأة فتقابل هذا من ناحيتها بالإجهاض ووأد الأطفال وضبط النسل - فحتى هذا الأخير قد كان يحدث آنا بعد آن في الشعوب البدائية؛ وأنه لمما يثير الدهشة أن نرى شدة الشبه بين الدوافع التي تحرك المرأة "الهمجية" والدوافع التي تحرك المرأة "المتمدنة" إلى اتقاء الولادة، وهي أن تفلت من عبء تربية الأطفال، وتحتفظ لنفسها بقوام فيه فتوة الشباب، وتتقي العار الذي يلحقها من أمومة لطفل جاءها من غير زوجها، وتجتنب الموت، وغير هذه من شتى الدوافع؛ وأبسط الوسائل التي تتبعها المرأة لتحديد الأمومة أن ترفض الرجل أبان الرضاعة التيقد تطول مدى أعوام كثيرة، ويحدث أحياناً- كما هي الحال عند هنود تشيني- أن تأبى المرأة حملا ثانياً إلا إذا بلغ طفلها الأول عامه العاشر؛ وفي بريطانيا الجديدة لم تكن المرأة لتنسل الأطفال قبل مرور عامين أو أربعة أعوام بعد زواجها؛ ولاحظ أن قبيلة "جوايكورو" Guaycuros في البرازيل كانت تتناقص تناقصاً مطرداً، لأن نساءها لم يقبلن حمل الأطفال قبل أن يبلغن الثلاثين؛ والإجهاض شائعبين أهل "بابوا" فيقول نساءهم في ذلك: "عبء الأطفال ثقيل، فلقد سئمناهم، لأنهم ينهكون قوانا"، والنساء في بعض قبائل "الماوري" Maroi يستعملن أعشاباً أو يسببن في أرحامهن اعوجاجاً ليتقين الحمل.
وإذا فشلت المرأة في إجهاض نفسها، فقد بقى لها أن تئد طفلها، ومعظم الشعوب الفطرية تبيح قتل الطفل عند ولادته إذا جاء شائها أو مريضاً أو سِفَاحا، أو إذا ماتت أمه عند ولادته؛ وكأنما يجد الإنسان مبرراً مقبولا في كل وسيلة تؤدي به إلى ضبط عدد السكان ضبطاً يتناسب مع مواد الرزق، فترى كثيراً من القبائل التي تقتل الأطفال إذا ما ظنوا أنهم ولدوا في ظروف لا يحالفها السعود؛