الأرثوذكسية اليونانية إلى حد كبير مع ديانة روسيا. فإنها أقرت كارهة أن الاندماج مع بولندة الكاثوليكية قد يكون أفضل للحفاظ على حكمها الذاتي من معانقة الدب الروسي. وميز سجسمند الثاني عهده بتوقيع "اتحاد لوبلين" التاريخي (١ يونية ١٥٦٩). واعترفت لتوانيا بملك بولندة "دوقاً أعظم" عليها. وبعثت بمندوبين أو ممثلين لها إلى البرلمان في وارسو، وارتضت أن يكون لهذا البرلمان حق السيطرة على علاقاتها الخارجية، ولكنها احتفظت بعقيدتها وقوانينها وحق التصرف في شؤونها الداخلية. واتسعت أطراف بولندة وبلغ عدد سكانها الآن إحدى عشر مليوناً من الأنفس، من دانزج إلى أوديسا، ومن البحر إلى البحر. فكانت إحدى الدول العظمى دون منازع.
وبموت سجسمند الثاني دون عقب ذكر (١٥٧٢) انتهت أسرة "جاجللون" التي كانت قد بدأت في ١٣٨٦، وهيأت لبولندة خطاً متصلاً من ملوك إتسموا بالخلق والإبداع، وحضارة قامت على التسامح الديني واستنارة قوامها الروح الإنسانية. وكان النبلاء يكرهون الملكية الوراثية، على أنها إهدار لحقوقهم وحرياتهم الإقطاعية، فاستقر عزمهم الآن على الاحتفاظ بالسلطة في أيديهم عن طريق ملكية انتخابية، فأسسوا جمهورية من النبلاء وجعلوا ملوك بولندة القادمين خدماً أو أتباعاً للبرلمان. ولما لم يكن البرلمان يضم كبار النبلاء أو الأعيان فحسب، بل كان يضم كذلك صغار النبلاء، فقد بدا أن هذه الخطة تحقق المثل الأعلى لأرسطو في حكومة تمتزج فيها العناصر الملكية والأرستقراطية والديمقراطية، في قيود وضوابط متبادلة. ومهما يكن من أمر، فإن الدستور الجديد، في نطاق ذلك العصر، لم يكن يعني إلا انتكاسة إقطاعية، تفتيت السلطة والزعامة، على حين كانت منافستا بولندة في البلطيق- السويد روسيا- تنصهران في وحدات عسكرية بفضل الملكيات الوراثية التي كان يحق لها أن تفكر على أساس الأجيال. وبات انتخاب الملك الآن في بولندة مزاداً لأصوات النبلاء تعطى لمن يدفع أكثر من بين المرشحين