الذين تمولهم، عادة الدول الأجنبية. وبذلك استطاع عملاء فرنسا بتوزيع العطايا والأموال باليمين والشمال، شراء تلج بولندة للمنحل المنحرف هنري فالو (١٥٧٣) ليعيدوه بعد ذلك بعام واحد ليحكم فرنسا حكماً سيئاً فاسداً تحت اسم هنري الثالث.
وأصلح مجلس الديت الذي يتولى الانتخاب خطأه، بعد فترة خلا فيها العرش وعمت الفوضى، باختياره ستيفن باثوري ملكاً (١٥٧٥). وكان، بوصفه أميراً على ترنسلفانيا، قد اشتهر بالفعل في مجال السياسة وميدان الحرب وكان عملاؤه في وارسو قد وعدوا بأنه سيسدد "إذا انتخب" الدين الوطني، ويمد الخزانة بمائة ألف فلورين، ويسترد الأراضي التي كانت بولندة قد نزلت عنها لروسيا، ويضحي بحياته في ميدان القتال، إذا اقتضى الأمر من أجل شرف بولندة ومجدها، ومن ذا الذي يستطيع أن يقف في سبيل هذا العرض؟. وعلى حين أيدت قلة غنية من النبلاء ترشيح مكسمليان الثاني النمساوي، نادى سبعة آلاف عضو من الديت المنتخب بباثوري، فقدم ومعه ٢٥٠٠ جندي، وكسب قلوب كثير من الناس بزواجه من أنا جاجللون، وقاد جيشاً ضد دانزج (التي رفضت الاعتراف به) وأرغم الثغر المغرور على دفع غرامة قدرها مائتي ألف جولدن للخزانة الوطنية.
وعلى الرغم من كل هذا لم يستوثق النبلاء من أنهم يحبون الملك الجديد، بعينيه الحادتين النافذتين. وتفكيره الواقعي، وشاربه المروع، ولحيته التي توحي بالاستبداد والدكتاتورية. لقد احتقر الأبهة والمواكب والاحتفالات وارتدى ثياب بسيطة، بل لبس الملابس المرقعة، وكان طعامه المفضل من لحم البقر والكرنب. ولما طالب بالمال لتجهيز حملة على روسيا أمده النبلاء بقدر غير كاف، وهم متذمرون. وتقدم معتمداً على معونات ترنسلفانيا، بجيش صغير وحاصر بسكوف ثالثة مدن روسيا آنذاك من حيث الحجم. وأحس إيفان الرابع على الرغم من أنه كان يرهب شعبه، بأنه أكبر سناً من أن يلاقي عدواً في مثل