وذبح الأسبان الذين كانوا قد استوطنوها حديثاً. وعلى سبيل الاحتياط أغاروا على سواحل صقلية. ومات سليم الثاني في ١٥٧٤، ولكن ظل سوكوللي يتولى شؤون الدولة ويدير دفة الحرب.
وقد يدعو إلى حيرة الفلاسفة أن يرى المؤرخون اضمحلال الدولة العثمانية في عهد مراد الثالث (١٥٧٤ - ١٥٩٥) على حين أنه كان يحب الفلاسفة، ولكنه كان مولعاً بالنساء كذلك. وأنجب مائة وثلاثة أطفال من عدد غير كبير من الزوجات. وكانت "بافو" الزوجة ذات الحظوة لديه، وهي أمة من أسرى البندقية، أسرته بمفاتنها، وتدخلت في شؤون الدولة، واشترى نفوذها بالمال، وتقلص نفوذ سوكللي، ولما أقترح بناء مرصد ثارت ثائرة الشعب ضده في نعرة تعصب ذميم، فقتلوه (١٥٧٩)، وربما كان هذا بأمر السلطان مراد. وعمت الفوضى، وانخفضت قيمة العملة، وتمرد الانكشارية لهبوط أجورهم لأنهم يتسلمون نقداً رديئاً، وأفسدت الرشوة الموظفين، بل أن أحد الباشوات كان يفاخر بأنه رشا السلطان. وانغمس مراد في ملذاته الجنسية ومات متأثراً بالإفراط فيها.
وسيطرت "بافو" على أبنها محمد الثالث (١٥٩٥ - ١٦٠٣) قدر سيطرتها على الدولة. وبدأ حكمه بالعملية التقليدية، فقتل تسعة عشر من أخوته، إغراء وحثاً لآل بيته على أن يركنوا إلى الهدوء والمسالمة، ولكن أخصاب مراد، أو ذريته الكبيرة، جعلت من هذا السلام المنشود مشكلة عسيرة، فإن كثيراً من أبناء السلطان بقوا على قيد الحياة تحدق بهم الأخطار. وأنتشر الفساد وسادت الفوضى. وضيعت الهزيمة في الحرب مع النمسا وفارس قيمة الانتصارات التركية. وواجه أحمد الأول خطر ظهور الشاه عباس الأول حاكماً قوياً على فارس، فقرر حشد قواته على الحدود الشرقية، ورغبة في التخفيف منها في الغرب، وأمر السلطان وكلاءه بتوقيع صلح "زتفانوروك"(١٩٠٦)، وهي أول معاهدة تنازل الأتراك المزهوون بتوقيعها خارج القسطنطينية. ودفعت النمسا للسلطان مائتي ألف دوكات، ولكنها أعفيت من أية جزية