الحرب بطبيعة الحال دنيوية أكثر منها دينية-وهي الرغبة في حكم الأقليات طعماً في مزيد من الأراضي والموارد والسكان الذين يمكن أن تفرض عليهم الضرائب. ونتيجة لسلسلة من الحروب المتواصلة تقدم الأتراك نحو الفرات والقوقاز وبحر قزوين، مستحوذين على العاصمة الفارسية الجديدة تبرز، والعاصمة العربية القديمة وصفها بيدور تكسيرا (١٦١٥) بأنها مدينة غنية عامرة بالأتراك والفرس والعرب واليهود، الذين يعيشون في ٢٠ ألف بيت من الآجر، تزحمها حركة الثيران والجمال والخيل والحمير والبغال المحملة، والرجال نظيفي الثياب، وكثير من النساء المليحات الوسيمات، وعيونهن، كلهن تقريباً، جميلة تحدق فوق خمرهن أو من خلالها (٢٢). وقد كلف أحد الموظفين بالسهر على حماية الغرباء هناك.
وإلى الشرق من بغداد والفرات كانت تقع الولايات الفارسية الممزقة، وتمتد إلى القوقاز وبحر قزوين في الشمال الغربي، وإلى تركستان في الشمال الشرقي، وإلى أفغانستان شرقاً، وإلى المحيط الهندي جنوباً، وإلى خليج العرب (الخليج الفارسي) في الجنوب الشرقي، وكأنها أجزاء مبعثرة لجسم واحد، تنتظر أن تحل فيها رح تضم شتاتها.
وكان عباس الأكبر خامس شاه، أو ملك، من الأسرة الصفوية التي كان قد أسسها إسماعيل الأول في تبريز ١٥٠٢. وفي عهد الشاه الثاني طهما سب الأول الذي امتد حكمه طويلاً (١٥٢٤ ت١٥٧٦) تعرضت الدولة الجديدة لغارات كبيرة من الأتراك. وبعد موته فتح الأتراك الولايات الفارسية: العراق ولورستان وخوزستان وضموها إلى أملاكهم. وفي نفس الوقت جاء الأزبكية من بلاد فيما وراء النهر، واستولوا على هرأة ومشهد ونيسابور، واجتاحوا الولايات الفارسية الشرقية. ولما ارتقى عباس العرش (١٥٧٨) وهو في الثلاثين من العمر، دون أن يكون له عاصمة، عقد الصلح مع الأتراك، وتقدم شرقاً ليقابل العدو الأصغر شأناً وأقل نفراً. وبعد حروب دامت أعواماً استرد هرأة وطرد الأزبكية من فارس، ومات بعد ذلك متلهفاً