للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسيحية والزخارف الإسلامية ولعبت برأس الشاه عباس فكرة صهر الأديان كلها في دين واحد "وفرض السلام على السموات والأرض" (٢٦). وبطريقة أكثر واقعية استغل الشاه الحماس الشيعي لدى الفرس كأداة لرفع معنوياتهم وروحهم القومية، وشجع شعبه على الحج إلى مشهد على أنها مكة مسلمي فارس، وسعى هو بنفسه ثمانمائة ميل من أصفهان إلى مشهد ليؤدي المناسك ويوزع الهبات والصدقات.

ومن ثم فإن العمارة التي جعل أصفهان تتألق بها، كانت دينية أساساً، مثل كنيسة العصور الوسطى في الغرب. فكان يحول أموال الفقراء إلى أماكن للعبادة تكون عظمتها وجمالها وهدوءها مفخرة وملكاً للجميع. وكان أعظم ما يثير الإعجاب في مباني العاصمة الجديدة الشاه الذي بناه عباس (١٦١١ - ١٦٢٩). وكان "الميدان" مدخلها الرائع وطريقها الفاخر، وبدا الميدان كله وكأنه يؤدي إلى البوابة التي ترحب بالداخلين إليها. وأول ما يبهر العين المآذن التي تطوق المدينة بأبراجها الناتئة المخرمة التي يوحد المؤذنون فيها الله، والخزف اللامع الذي يكسو إطار الأبواب، ثم الأفريز وما عليه من عبارة منقوشة. يتقرب بها عباس إلى الله بهذا الضريح. حتى حروف الهجاء في فارس كانت فناً. وكانت الحوائط داخل العقود مزدانة بعناقيد موشاة بزهور بيضاء. ثم الساحة الداخلية المكشوفة للشمس، ومنها عبر أقواس أخرى إلى الحرم المقدس تحت القبة الكبرى. ويجدر بالمرء أن يقصد إلى الخارج مرة أخرى ليتفحص القبة، والخط الكوفي الرائع عليها. وشكلها المنتفخ، وهي مع ذلك رشيقة جميلة، مغطاة بالتربيعات المطلية بالميناء، في لون أزرق وأخضر في زخرفة عربية بديعة فوق أرضية لازوردية. وعلى الرغم من جور الزمان فإن هذه "حتى في يومنا هذا من أجمل المباني في العالم" (١٧). وثمة مسجد قد لا يثير الإعجاب بمثل هذا القدر، ولكنه أدق وأرق،