للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو الذي شاده الشاه عباس تخليداً لذكر والد زوجته، وهو من أولياء الله الصالحين، وهو مسجد الشيخ لطف الله، وله باب رشيق، وحرم ومحراب من الفسيفساء الفاتنة، وفوق كل هذا، فإن جماله من الداخل يجل عن الوصف، وأبعد عن التصديق-الزخارف العربية، والأشكال الهندسية والزهور والحليات الدرجية في رسم متقن موحد. وهذا هو فن تجريدي، ولكن في منطق وتكوين واتساق لا يربك العقل أو يشوش الذهن، بل في نظام يسهل إدراكه، يبعث في النفس الارتياح والهدوء.

وفي الجانب الشرقي من الميدان بنا الشاه عرشاً مكشوفاً تحت قوس كبير "الباب العالي". وفيه استقبل الناس أو شهد سباق الخيل أو مباريات البولو في الميدان (١). وخلف هذه البوابة كانت تقع الحدائق الشاهانية، وهي تضم عدة قصور استخدمها الشاه لأغراض خاصة. ولا يزال أحد هذه القصور موجوداً، ولكن نال من الزمن كثيراً. أربعون عموداً، قاعة الاستقبال، حجرة العرش قائمة على عشرين عموداً من شجر الدلب، مكسوة بالمرايا، وقاعة طويلة تزينها رسوم تحكي أحداث عصر الشاه. وكانت أبواب القصر مصنوعة من الخشب المصقول المزدان بمناظر الحدائق ومجموعات الزهر. وفي متحف المتروبوليتان للفن اثنان من هذه الأبواب. ولا تزال قائمة في مكانها الزخارف الجصية اللامعة، مذهبة، وفي ألوان أخرى، من سقف قاعة الاستقبال. وهنا أيضاً نجد الفن التجريدي، وقد بلغ حد الكمال. في المنطق وفي التصميم.

ووجه الشاه عباس من قصوره المتعددة ومن معسكره حياة مملكته الآخذة في الاتساع. لقد أهتم، مثل معظم الحكام العظام، بكل الجوانب في حياة شعبه. فبنى الطرق والجسور، ومهد الأميال الكثيرة من الطرق ورصفها


(١) لا تزال أعمدة المرمر الرخامية قائمة في الميدان. وجاءت لعبة البولو إلى أوربا من فارس.