لقتال دوق ألفا في الأراضي المنخفضة. وفي هذا العصر الذي ساده التعصب والحرب، ضرب لدول الإمبراطورية وعقائدها مثالاً رائعاً في تسامح بريء من اللامبالاة، وسلام لم يشبه الجبن. وحين حضرته المنية (١٥٧٦) أبى أن يتقبل آخر الشعائر من كنيسة روما، ولكن الإمبراطورية بأسرها اجتمعت على الترحم عليه.
وكانة قد أقنع الناخبين بقبول ولده رودلف خلفاً له، برغم ما رآه فيه-بلا ريب-من طباع أو آثار تعليم خطرة على الوفاق الديني. فلقد كان رودلف الثاني بطبعه شكاكاً مكتئباً. وكان من الجائز أن يصبح الوريث لفيليب الثاني لذلك بعث به إلى أسبانيا ليتلقى جزءاً من تعليمه المدرسي، فقضى اليسوعيون هناك على كل ميل فيه للتسامح. وما لبث عقب ارتقاء العرش أن فرض القيود الصارمة على حرية العبادة البروتستانتية وعمل على الحد من انتشارها زاعماً-وله بعض الحق (٢) -أن عنف الجدل الديني، وتعصب الشيع البروتستانتية فيما بينها، يقوضان سلام الإمبراطورية واستقرارها. على أنه لم يكن خلواً من الفضائل التي حببت الناس في أبيه فقد عاش في بساطة وتواضع دون تكلف لأبهة الإمبراطورية. وحين انتقد أحد أخوته رفعه الكلفة مع الفقراء والوضعاء أجاب:"ينبغي ألا ينسينا سمونا فوق الناس بمكانتنا وعراقة محتدنا أننا مرتبطون مع سائر البشر بنقائصنا وعيوبنا (٣) ".
والحق أنه آثر أن يكون عالماً على أن يكون إمبراطوراً. تعلم ست لغات، ومارس كل علم وفن تقريباً، واقتنى مجموعات ثمينة من الصور والتماثيل وأنواع النبات وعينات الحيوان. وأعان الشعراء والمؤرخين، وأنشأ الكثير من المدارس. وحذق الرياضيات والفيزياء والكيمياء والفلك والطب وكذلك الكيمياء القديمة والتنجيم، وأمد بالمال البحوث الفلكية التي اضطلع بها تيكوبراهي وكبلر اللذان اهدياه جداولهما الرودلفية للنجوم. وإذ استغرقه العلم وهو في قصره ببراغ-التي اختارها عاصمة له-فإنه لم يجد