وترك طب الأسنان للحلاقين، وكان يقوم في معظمه على الخلع. وكان بين "الحلاقين الجراحين" آنذاك جماعة من المحترفين المهرة، من أمثال امبرواز باري، فراسوا روست، اللذين أحييا الخلع القيصري، وجسبارو طلياكوتسي المتخصص في إعادة تشكيل الأذن والأنف والشفاه، من لدائن البلاستيك، وقد اتهمه الأخلاقيون بالتدخل في صنع الله، ونبشت رفاته من الأرض المطهرة، ودفنت في أرض غير مقدسة (٦٣). وكان ولهلم فبري "أبو الجراحة في ألمانيا" أول من أوصى ببتر العضو أو الطرف فوق الجزء المصاب. وأورد جيوفني كول أقدم وصف معروف لعملية نقل الدم (١٦٢٨).
وامتعض المرضى من أجر الطبيب، كما هو الحال في كل العصور. وسخر الممثلون الهزليون من ردائه الطويل وحذائه الأحمر، ومن رزانته ووقاره وهو إلى جانب فراش المريض، وإذا كان لنا أن نصدق هجوا الممثلون الهزليين الفكاهيين، فإن مكانته الاجتماعية لم تكن تعلو كثيراً عن مرتبة العلم، ولكنا لو رجعنا إلى تاريخ "درس التشريح" لرمبرانت، لشهدنا طبقة من الرجال تتمتع بمنزلة رفيعة في المجتمع، قادرة حتى على الإسهام في لوحة عظيمة. أن أعظم فلاسفة ذلك العصر، الذي كان يحلم، كما يحلم كل منا، بمستقبل أفضل للبشرية، فكر في تحقيق حلمه على أساس تحسين الخلق الإنساني والنهوض بالعلوم الطبية، بوصفها أكثر العوامل ملاءمة لمثل هذه الثورة، وفي هذا يقول ديكارت:"إن العقل نفسه يعتمد كثيراً على سلامة أعضاء الجسم وتنظيم أدائها لوظائفها، إلى حد أنه إذا كان من الميسور أن نفتش عن وسيلة تزيد بها عقل الإنسان وقدرته، فاعتقادي أنه ينبغي أن نلتمسها في الطب والدواء"(٦٤).