للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طابع شخصية شارون الدمثة الوقورة. وهو يقول بأن كل المعرفة تنبع من الحواس، وهي لذلك عرضة لتقييدات الحواس وعجزها وأخطائها الكثيرة، فليست الحقيقة من شأننا نحن. ويقول السفهاء من الناس بأن الحقيقة يثبتها قبول كل الناس لها وإن صوت الخلق من صوت الله. ولكن شارون يعتقد أكثر ما يعتقد أن صوت الناس هو صوت الجهالة، وأنه صوت الآراء التي تلفق لهم، وأن الإنسان يجب أن يتشكك خاصة فيما يؤمن أكثر الناس به (٧). إن الروح قوة خفية حادة ى تهدأ، متصلة بالمخ، وظاهر أنها تفنى بفناء الجسم (٨) إن الديانة تنطوي على أسرار وخفايا لا يمكن إثباتها وعلى سخافات كثيرة، وعليها يقع وزر التضحيات الوحشية والقساوات التعصبية. وإذا كان كل الناس فلاسفة (كما قد يقول فولتير فيما بعد)، يتعشقون الحكمة ويمارسونها، فلن تعود ثمة حاجة إلى الديانة، ويمكن أن تعيش المجتمعات بمقتضى علم أخلاقي طبيعي مستقل عن اللاهوت أو الدين، ويمكن أن يوجد الإنسان الفاضل، دون سماء ولا جحيم" (٩). ولكن إذا أخذنا في الاعتبار ما فطر عليه الإنسان بالطبيعة من شر وجهل، فإن الدين يصبح أداة ضرورية لازمة للأخلاق والنظام (١٠). بناء على هذا يتقبل شارون كل أساسيات المسيحية، حتى الملائكة والمعجزات (١١)، وينصح الحكماء بمراعاة كل المراسم الدينية التي تضعها الكنيسة التي ينتسب إليها عن غير قصد، على أية حال (١٢)، ولن يكون المتشكك الحق هرطيقاً أبداً (١٣).

وعلى الرغم من هذه النتائج القويمة التي خلص إليها شارون فإن أحد الجزويت المعاصرين يحشره في زمرة أخطر الملحدين وأشرهم وأخبثهم (١٤). ولما مات شارون فجأة بالسكتة القلبية، في سن الثانية والستين (١٦٠٣) قال الأتقياء بأن هذا عقاب من عند الله على كفره وإلحاده (١٥). قبيل وفاته أعد طبعة ثانية من كتابه، خفف فيها من الجزاء الأكثر تهوراً وطيشاً، وأكد لزملائه من رجال الدين أنه إنما يقصد "بالطبيعة" الله سبحانه وتعالى،