للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويروون أن فانيني، حين جيء به من السجن ليلقى عقابه (٩ فبراير ١٦١٩) صاح معجباً "دعوني أذهب، دعوني أذهب فرحاً مبتهجاً لأموت موتة فيلسوف (٣٩) ".

كذلك ولد توماسو كمبانللا، ودم كالابريا الحار يجري في عروقه، وخفف من حرارته لبعض الوقت في دير للدومنيكان، ودرس تلزيو وامبيد وكليس؛ نبذ أرسطو، وتناول بالتحريض والتسخيف "قرار البابا بالحرمان من الكنيسة" فأودع بالسجن بأمر من محكمة التفتيش في نابلي لبضعة شهور (١٥٩١ - ١٥٩٢) وبعد الإفراج عنه ألقى بعض الدروس والمحاضرات في بادوا، واتهم بالفسق والفجور، وهناك دون أول مؤلف هام له في الفلسفة (١٥٩٤) نصح فيه المفكرين-كما فعل فرانسيس بيكون بعد ذلك بأحد عشر عاماً-بدراسة الطبيعة، لا دراسة أرسطو-وأعد برنامجاً للعودة إلى العلم والفلسفة. ولما عاد إلى نابلي انضم إلى مؤامرة لتخليصها من نير أسبانيا. ولكن المؤامرة أحبطت، وزج به في سجون الولاية لمدة سبعة وعشرين عاماً (١٥٩٩ - ١٦٢٦) وعذب اثنتي عشرة مرة، استمر التعذيب في إحداها أربعين ساعة (٤٠). وخفف من آلام السجن بالفلسفة والشعر وتصوره للدولة المثالية، وفي قصيدته (السونيت) وعنوانها "الشعب" يعبر عن استيائه عن عجز الأهالي عن مساعدته في ثورته فيقول:

الشعب دابة لها مخ مشوش غبي، لا تعرف قوتها، ومن ثم تقف محملة بالخشب والحجارة، وتقودها يدان هزيلتان لمجرد طفل بالشكيمة واللجام، إن رفسة واحدة تكفي لتحطيم القيد، ولكن الدابة تخاف وتجبن، وتفعل ما يطلبه الطفل، ولا تدرك قدرتها على إرهابه، لأن "البعبع" التافه يذهلها ويربكها. وأعجب من هذا أنها تكبل نفسها وتكمم لسانها بيدها-وتجلب على نفسها الموت والحرب مقابل دريهمات (بنسات) يتصدق