المناخ والسلاسة باعتبارهما عاملين من عوامل التاريخ. فالتاريخ من وظائف الجغرافيا- الحرارة، المطر، التربة، سمات السطح … أن الجغرافيا تحدد الخلق، والخلق يحدد التاريخ. وأن الناس لتتباين أخلاقهم وسلوكهم، تبعاً لحياتهم على الجبال أو الأودية، أو على شواطئ البحار. ويتميز أهل الشمال بقوة الجسم والنشاط العضلي. على حين يتميز أهل الجنوب بالحساسية العصبية وحدة الذهن. أما سكان المنطقة المعتدلة، مثل شعوب البحر المتوسط وفرنسا فإنهم يجمعون بين خصائص الشمال والجنوب، وهم عمليون أكثر من أهل الجنوب، ومفكرون أكثر من أهل الشمال، وينبغي أن تتكيف حكومة أي شعب مع خلقه الذي حددته الجغرافيا والسلاسة، والذي لا يكاد يتغير بمرور الزمن. وعلى هذا الأساس يجب أن يحكم شعوب الشمال بالقوة، وشعوب الجنوب بالدين.
وفي كتاب أقل شأناً "الرد علة تناقضات مالستروا"، أسس بودين "الاقتصاد السياسي" تقريباً (٦٠) فحلل أسباب ارتفاع الأسعار في أوربا، وناقش مساوئ خفض قيمة العملة، ودافع عن حرية التجارة، في عصر الحماية الطبيعية والإقليمية، وأكد العلاقة بين الواقع الاقتصادي والسياسة الحكومية.
ولكن أروع أعماله- وهو أهم إضافة للفلسفة السياسية فيما بين ميكيافللي وهوبز- هو كتابه "الجمهورية"(١٥٧٦). وقد استعمل بودين هذه اللفظة بمعناها الروماني: أي الدولة. وفرق بين الدولة والمجتمع. فالمجتمع قائم على الأسرة، التي لها أساس طبيعي في العلاقة بين الجنسين وبين الأجيال. أما الدولة فتقوم على قوة مصطنعة. وكانت الأسرة في شكلها الطبيعي، أبوية- أي أن للأب سلطة مطلقة على أزواجه وبنيه وممتلكات الأسرة، وربما أنقصت المدينة بشكل خطير من حقوق الأب. ويجب أن تخضع المرأة دوماً للرجل لأنها أضعف منه عقلاً، وفي وضعها معه على قدم المساواة إغفال خطير