للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رأيت أنه يسود العالم المسيحي نزعة إلى شن الحروب التي قد تخجل منها حتى الشعوب المتبربرة، فيفزع الناس إلى السلاح لأتفه الأسباب، أو بلا سبب، حتى إذا ما حملوا السلاح، لم يعد هناك أي احترام لقانون سماوي أو قانون وضعي، وكأنما أبيح للناس ارتكاب أية جرائم دون قيد (٧١).

وكان مكيافللي قد ذهب إلى أن الدول لا يمكن الإبقاء أو الحفاظ عليها إلا إذا تحللت من الالتزام بالقانون الأخلاقي المفروض على مواطنيها. فينبغي على رجال الدولة- بالتفويض عادة- أن يكونوا مستعدين للكذب والسلب والقتل، قدر ما يرون أن هذا أو ذاك مرغوب فيه، من أحل مصلحة الدولة، لأن الدول، حتى تلك اللحظة تعيش في أدغال تتنازع فيها البقاء، مثلما كانت تعيش الأسرات قبل قيام الدول. وهي لا تعرف قانوناً إلا قانون "صيانة الذات". ويسلم جروشيوس بأنه يجوز إعفاء الحكومات من "القانون الوضعي" الذي سنه الإنسان، ولكنه يرى أنها ملتزمة بطاعة القانون الطبيعي ويعرف هذا القانون "الحق الطبيعي" بأنه هو أن ما "يمليه ويفرضه العقل الرشيد"، ليكشف عن الفساد الخلقي أو الضرورة الخلقية لعمل من الأعمال، باتفاق هذا العمل أو تنافره مع الطبيعة العقلانية، ومن ثم يوضح أن هذا العمل يحله الله أو يحرمه، والله هو منشئ الطبيعة أو خالقها (٧٢). وعلى هذا يكون القانون الطبيعي هو نظام الحقوق والواجبات الذي ينبع من الطبيعة الأساسية للإنسان بوصفه كائناً عقلانياً يعيش في مجتمع. فكل ما هو ضروري لوجوده وإسهامه في المجتمع حق طبيعي له، فهو ناشئ عن طبيعته وملائم لها. ويجب أن تلتزم الدول في تصرفاتها بمراعاة هذه الحقوق.

ويتابع جروشيوس كلامه فيقول بأن هذا يجب أن يكون خاضعاً "لقوانين الشعوب" التي قصد بها القانون الروماني تلك التي لم تشملها "المواطنة الرومانية"، فلما انهارت الإمبراطورية الرومانية الغربية طبقها مشرعو