للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مكان ما فرنسا (٥٩) وكانت السنوات (١٦٤٨ - ٥١، ١٦٦٠ - ٦٢، ١٦٩٣ - ٩٤، و١٧٠٦ - ١٠) فترات انتشر فيها الرعب من الموت جوعاً، حين بلغت نسبة الموتى من السكان في بعض الأقاليم ثلاثين في المائة. وفي ١٦٦٢ استورد الملك القمح وباعه للفقراء بثمن بخس أو وهبه لهم وأعفاهم من ثلاثة ملايين فرنك من الضرائب المستحقة (٦٠).

وخفف التشريع بعض مآسي الريف، إذ حظر الاستيلاء على بهائم الفلاح أو عرباته أو أدواته وفاء للدين ولو كان دينا للتاج، وأنشئت المزارع للاستيلاد تتعهد أفراس الفلاح مجاناً، ومنع الصيادون من اختراق الحقول المبذورة بالحب، وقدمت الإعفاءات الضريبية لمن يصلحون الأراضي المهجورة ويزرعونها. ولكن هذه الملطفات ما كانت لتنفذ إلى صميم المشكلة-مشكلة اختلال التوازن بين خصوبة الإنسان وخصوبة التربة، والافتقار إلى الاختراعات الآلية. على أن فلاحي أوربا على بكرة أبيهم كانوا يلقون مثل هذا العنت، ولعل الفلاحين الفرنسيين كانوا أيسر حالاً من نظرائهم في إنجلترا أو ألمانيا (٦١).

لقد ضحى كولبير بالزراعة قرباناً للصناعة ولكي يطعم سكان المدن المتكاثرين، وجيوش الملك المتعاظمة، حظر رفع سعر الغلال بما يتناسب وغيرها من الخدمات. وكان من الأوليات عنده أن على الحكومة التي تبتغي القوة أن تملك موارد كافية وجيشاً من الجند الأشداء المجهزين تجهيزاً حسناً؛ فطبقة الفلاحين المتمرسة بالمشاق تزود البلاد بمشاة أقوياء، والصناعة والتجارة الناميتان لا بد أن توفر الثروة والأدوات. ومن كان هدف كولبير الذي لم ينثنِ دونه هو أن يشجع الصناعة، لا بل إن التجارة يجب إخضاعها لهذا الهدف، فلا بد أن تحمى الصناعات الوطنية بالرسوم الجمركية التي تبعد المنافسة الخطرة من خارج البلاد. وجرياً على السياسات الاقتصادية التي انتهجها صلى وريشليو، أخضع كولبير جميع الصناعات الفرنسية-إلا أقلها شأناً-لسيطرة الدولة النقابية: فكانت كل صناعة، بطوائفها، ومالياتها