رب العمل أسعارها. وقد حسب فوبان متوسط الأجر اليومي الذي يتقاضاه مهرة الصناع في المدن الكبيرة فكان اثني عشر سواً (ثلاثين سنتاً) في اليوم، ولكن السو الواحد كان يشتري رطلاً من الخبز (٦٦). واختزلت الحكومة عدد أيام الأعياد الدينية التي تعفي العمال من العمل، وبقي من هذه العطلات ثمانية وثلاثون يوماً، فكان مجموع أيام الراحة في السنة تسعين (٦٧). وحرمت الإضرابات، وحظرت اجتماعات العمال لتحسين أحوالهم، وقد سجن بعض العمال في روشفور لأنهم شكلوا ضآلة أجورهم. ونمت ثروة طبقة رجال الأعمال، وارتفعت موارد الدولة، ولكن لعل حال العمال كانت على عهد لويس الرابع عشر أسوأ منها في العصور الوسطى (٥٨). لقد أخضعت فرنسا للنظام الصارم في الصناعة كما أخضعت في الحرب.
أما في مجال التجارة، فقد آمن كولبير كما آمن معظم رجال الدولة في جيله بأن اقتصاد الأمة ينبغي أن ينتج أقصى ما يمكن من ثروة واكتفاء ذاتي داخل الأمة، وأنه مادام الذهب والفضة عظيمي القيمة بوصفهما وسيطين في المبادلة، فلابد من تنظيم التجارة بحيث تكفل للأمة "توازناً تجارياً في صالحها" أي زيادة في الصادرات على الواردات، ومن ثم تدفقاً للفضة والذهب إلى البلاد. وبهذه الطريقة وحدها استطاعت فرنسا، وإنجلترا، والأقاليم المتحدة-وكلها لم تكن تربتها تحوي ذهباً، أن تحصل على حاجاتها، وأن متون جيوشها زمن الحرب، وهذه هي "المركنتلية" Mercantilism ومع أن بعض الاقتصاديين سخروا منها، فقد كان وسوف يكون هناك الكثير من المبررات لها في عصر كثير الحروب. ولقد طبقت على الأمة نظام التعريفات والترتيبات الحامية التي كانت في العصور الوسطى تطبق على الكومون. ونمت وحدة الحماية حين حلت الدولة محل الكومون وحدة الإنتاج والحكم. إذن فبمقتضى نظرية كولبير يجب أن تكون أجور العمال منخفضة تمكيناً لمنتجاتهم من أن تنافس نظيرها في الأسواق الأجنبية وبذلك تجلب الذهب إلى البلاد، ويجب أن يكون جزاء أرباب العمل وفيراً