حفزاً لهم على الاضطلاع بالمشروبات الصناعية لصنع السلع، لا سيما الكماليات، التي لا نفع لها في الحرب ولكن يمكن تصديرها بتكلفة قليلة لقاء عائد كبير، ثم يجب أن تكون أسعار الفائدة منخفضة إغراء للمقاولين باقتراض رأس المال. وهكذا نرى طبيعة التنافس التي فطر عليها الإنسان، في تلك الغابة التي لا تخضع لقانون والتي تصطرع فيها الدول، قد كيفت اقتصادها الوطني وفق فرص الحرب وحاجاتها. فالسلام ليس إلا حرباً بوسائل أخرى.
إذن فوظيفة التجارة في رأي كولبير (بل في رأي صلي وريشليو وكرومويل أيضاً) تصدير السلع المصنوعة نظير المعدن النفيس أو الخامات. ومن ثم نراه في ١٦٦٤، ثم في ١٦٦٧، يرفع الرسوم على الواردات التي هددت بأن تنافس في فرنسا منتجات الصناعات الوطنية المعتبرة ضرورية في الحرب، فلما استمر جلب هذه الواردات حظرها بتاتاً. وفرض رسوم تصدير باهظة على المواد الضرورية، ولكنه خفض الضريبة على تصدير الكماليات.
ثم حاول تحرير التجارة الوطنية من المكوس الداخلية. وقد وجد أن التجارة الفرنسية تعترض سيرها المعوقات من الحواجز والتعريفات الإقليمية والبلدية الغربية. من ذلك أن السلع المنقولة من باريس إلى المانش، أو من سويسرا إلى باريس، كانت تدفع عنها مكوس عند ست عشرة نقطة، ومن أورليان إلى نانت عند ثمان وعشرين، وربما كان هناك مبرر لهذه المكوس يوم كان كل إقليم يطمح إلى الاكتفاء الذاتي ويجاهد في حماية صناعاته، وذلك بسبب صعوبات النقل واحتمالات الصراع الإقطاعي أو تنازع الكومونات. أما وقد توحدت فرنسا سياسياً الآن، فقد غدت هذه المكوس الداخلية عقبة كؤودا في طريق الاقتصاد القومي، وحاول كولبير بمرسوم أصدره في ١٦٦٤ أن يلغي جميع المكوس الداخلية، ولكن المقاومة كانت عنيدة، ففي نصف فرنسا استمرت المكوس، وظل بعضها إلى عهد الثورة الفرنسية وكان أحد أسبابها الصغيرة. وكاد كولبير أن يقضي على