النعمة" شعوراً بالخزي من شدة تراخيها وتراخي راهباتها في الوفاء بما نذرن من فقر وعزلة. وإذ كانت ممزقة بين حبها للراهبات ورغبتها في فرض نظام الطريقة السسترسية، فقد رانت عليها الكآبة، ومارست ألواناً من التقشف لم يقو عليها جسدها، فأصابتها الحمى. ولابد أنها كانت لطيفة محببة إلى النفوس، وآية ذلك أنه حين سألها الراهبات عن السر في حزنها، وصارحتهن برغبتها في أن يرجعن إلى التزام رهبتهن بحذافيره، ارتضين حكمها، وجمعن كل ممتلكاتهن الخاصة، وأخذن العهد على أنفسهن بالفقر الدائم.
أما الخطوة الثانية، وهي اعتزال العالم، فكانت أشد إيلاماً. فقد حظرت الأم أنجليك على الراهبات أن يغادرن الدير، أو يستقبلن الزوار-حتى أقرب الأقرباء-دون إذن صريح، فإذا استقبلنهم ففي قاعة الاستقبال دون غيرهما. وشكون مما سيكلفهن هذا من عنت شديد. ولكي تعطيهن القدوة الحسنة المشددة لعزائمهن صممت ألا ترى أبويها في زيارتهما التالية إلا من نافذة ذات شباك أو "شيش" في الباب الفاصل بين قاعة الاستقبال وحجرات الدير. فلما حضر أبواها راعمهما أنها لا تريد التحدث إليهام إلا من خلال هذا الشباك … وأصبح "يوم الشباك" Journee du Guichet (٢٥ سبتمبر ١٦٠٩) يوماً مشهوراً الدائر حول البور-رويال.
وهدأ غضب الأسرة المقصاة، وتأثر أفرادها بورع الأم أنجليك (التي بلغت الآن الثامنة عشرة) تأثراً حمل الفتاة تلو الفتاة من بيت آرنو على دخول البور-رويال. ففي ١٦١٨، أخذت شقيقتها آن أوجني على نفسها عهد الرهبنة. ولحقتها شقيقات أخريات بعد قليل-كاترين، وماري، ومادليز،. وفي ١٦٢٩، جثت أمهن الأرملة عند قدمي الأم أنجليك ملتمسة قبولها مبتدئة في الرهبنة ثم أخذت العهد في الوقت المناسب، وعاشت في تواضع وسعادة