للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من القصور الملكية يحيط بها حائط يحميها؛ فقد دفعته الكراهية الشديدة أن يحطم في دلهي القصور القرمزية التي كانت "لأكبر" وأحل محلها أبنية تراها - في أسوأ جوانبها - ضرباً من المرمر المزخرف كأنه قطع من الحلوى، لكنها - من أحسن جوانبها - أصفى جمال بلغته العمارة في أرجاء الأرض جميعاً؛ فها هي ذي "قاعة الاجتماعات العامة" بأسفل حيطانها وقد زخرفت بفسيفساء من الزهر على أرضية من المرمر الأسود، وأسقفها وعمدها وأقواسها المنحوتة في وشي حجري له جمال الشيء النحيل الهزيل، لكنه جمال يعز على التصديق، وهاهنا أيضاً "قاعة الاجتماعات الخاصة" التي صنع سقفها من الفضة والذهب وأعمدتها من مُخَرَّم المرمر، وأقواسها على هيئة نصف الدائرة مدبباً في وسطه، يتألف من أنصاف دوائر صغرى يتخذ كل منها صورة الزهرة، وعرشها المسمى "عرش الطاووس" الذي بات أسطورة يتحدث بها العالم أجمعين، وجداره الذي لا يزال يحمل في تطعيم بالحجر النفيس، بيت الشاعر المسلم المليئة ألفاظه بروح الزهو، ومعناه أن لو كان على الأرض فردوس فهي هاهنا.

ونعود فنستجمع في أذهاننا صورة خافتة "لكنوز الهند" في أيام المغول، حين نسمع أعظم مؤرخي فن العمارة يصف لنا مقر الملك في دلهي، فيقول إنه يشغل مساحة ضعف ما تشغله "الأسكوريال" الفسيحة بالقرب من مدريد، ولقد كان ذلك القصر في زمانه ذاك، وبالقياس إلى أضرابه "أفخم قصر في الشرق، بل ربما كان أجمل قصر في العالم كله" (١).

وحصن "أجرا" اليوم أنقاض (٢)، وكل ما في وسعنا أن نحزر على سبيل


(١) كان "حصن دلهي" في بادئ أمره يشتمل على اثنتين وخمسين قصراً، لم يبق منها اليوم إلا اثنان وعشرون قصراً، فقد احتمت بالحصن حامية بريطانية داهمها الخطر في ثورة "سيبوي" وقوضت عدة قصور لتخلي مكاناً لعدتها، كما وقع نهب كثير.
(٢) كان خطأ يؤسف عليه من شاه جهان أن يجعل من هذه القصور الجميلة حصناً، فلما حاصر البريطانيون "أجرا" (سنة ١٨٠٣) لم يكن لهم بد من توجيه مدافعهم إلى الحسن، ورأى الهنود قنابل المدافع تدك "المحل الخاص" (أي قاعة الاجتماعات الخاصة) فاستسلموا ظناً منهم أن الجمال أنفس من النصر؛ ولم يمض طويل وقت حتى جاء "وارن هيستنجز" فخلع أجزاء الحمام من القصر خدماً ليقدم بها هدية الملك جورج الرابع؛ ويبعت أجزاء أخرى من البناء بأمر من لورد "وليم بنتنك" إعانة لدخْل الهند.