والنقيض الفلسفي لألسيست هو صديقه فيلانت، الذي ينصحه بأن يلائم في لطف بين نفسه وبين ما في البشر من نقائض فطرية وأن يعترف باللطف ميسراً للحياة. وسحر المسيحية في قسمة موليير عواطفه بين ألسيست وفيلانت. فألسيست هو موليير الزوج الذي يخشى أن يكون ديوثاً، ومنجد حجرة الملك الذي عليه-لكي يعد سرير الملك-أن يتصدى لمائة نبيل يفاخرون بنسبهم مفاخرته بعبقريته. وفيلانت هو موليير الفيلسوف، الذي يأمر نفسه بأن يكون معقولاً متسامحاً في الحكم على البشر. يقول فيلانت-موليير لموليير-ألسيست في فقرة لنا أن نعتبرها نموذجاً من موليير الشاعر:
"رباه: فلنقلل من ضيقنا بعادات العصر، ولنتسامح قليلاً مع الطبيعة البشرية، ولا نفحصها بصرامة شديدة، بل ننظر إلى عيوبها بشيء من التساهل. فالحياة في هذه الدنيا تتطلب فضيلة مرنة طيعة، وقد يخطئ المرء بغلوه في الحكمة، فالعقل الكامل يتجنب كل تطرف، ويريدنا أن نكون حكماء في اعتدال. إن التزمت الشديد في فضائل القدماء يصدم كثيراً عصرنا والعرف السائد بيننا، فهو ينشد في البشر كمالاً مفرطاً؛ علينا أن نلين للزمن دون تصلب، والحماقة كل الحماقة في أن نورط أنفسنا في تقويم أخطاء العالم. أني ألحظ كما تلحظ كل يوم عشرات الأشياء التي كان يمكن أن تكون خيراً مما هي لو أنها سلكت طريقاً غير طريقها، ولكن مهما تكشف لي في كل خطوة، فإن الناس لا يروني ساخطاً مثلك. أنني لأتقبل الناس على علاتهم في هدوء كثير، وأروض نفسي على التجاوز عما يفعلون، وأعتقد أن في برودة طبعي من الفلسفة ما في مرارة طبعك، سواء كنت في البلاط أو في المدينة"(٣٧).
وفي رأي نابليون أن حجة فيلانت هي الأرجح، أما جان دارك روسو فرأيه أن فيلانت كذاب، وهو يحب فضيلة ألسيست الصارمة (٣٨). وفي النهاية يهجر ألسيست العالم كما هجره جان دارك ويعتكف في عزلة معقمة.