خلص مع الإغريقي المفترى عليه إلى أن لذة الحس طيبة، ولكن لذة الفكر أطيب، وأنه لا داع يدعونا لشغل أنفسنا بالآلهة أكثر مما تشغل أنفسها بنا. وقد بدا له الأكل الطيب والكتابة الجيدة مزيجاً معقولاً. وفي ١٦٦٦ زار هولندا ثاني، والتقى بسبينوزا وتأثر تأثراً عميقاً بالحياة المسيحية التي كان يحياها اليهودي القائل بوحدة الوجود (١٠٧). وقد أتاح له معاش أجرته عليه الحكومة الإنجليزية، بالإضافة إلى ما استنقذه من فضلات ثروته، أن يكتب سلسلة طويلة من الكتب الصغيرة، كلها بأسلوب خفيف رشيق شارك في تكوين فولتير. وقد أعان كتابه "تأملات في مختلف أجناس الشعب الروماني" مونتسكييه، وشاركت رسائله إلى نينون دلانكلو بجزء من ذلك العبير الذي يتضوع خلال الرسائل الفرنسية. ولما بلغ الثامنة والخمسين، ودون وعي منه بأنه سيعمر اثنتين وثلاثين سنة أخرى، وصف نفسه بأنه مقلقل بصورة لا شفاء له منها. "إنني لولا فلسفة ميسود ديكارت التي تقول أنا أفكر فإذن أنا موجود لما صدقت إنني موجود، وهذا كل ما أفدت من دراسة ذلك الرجل الشهير (١٠٨) " لقد كاد ينافس فونتنيل في طول عمره، إذ لم يمت إلا عام ١٧٠٣ بعد أن بلغ التسعين، وقد نال تشريفاً ندر أن حظي به فرنسي، وذلك هو دفنه في دير وستمنستر.
كتب فردريك الأكبر إلى فولتير:"بعد قرون سيترجمون الكتاب المجيدين في عصر لويس الرابع عشر كما نترجم نحن كتاب عصر بركليز وأوغسطس". وقبل أن يموت الملك بسنين طويلة شبه الكثيرون من الفرنسيين فن العصر وأدبه بخير ما أنتج القدماء في الفنون والآداب. وفي ١٦٨٧ قرأ شارل بيرو (أخو كلود بيرو الذي صمم من قبل واجهة اللوفر الشرقية) على الأكاديمية الفرنسية قصيدة سماها "قرن لويس العظيم" رفع فيها العهد فوق أي حقبة في تاريخ اليونان أو الرومان. ولكن بوالو الناقد العجوز انبرى للدفاع عن القدامى رغم أن بيرو سلكه في زمرة المعاصرين