من التهذيب والحساسية. بل لقد تجدهن-كما ترى في السيدة الجالسة في صورة "السيدة والخادمة"(٢٦) -غاليات اللباس، رقيقات القسمات، مصففات الشعر في عناية، أو غنيات بالحرير وآلات الموسيقى، كما في صورة "السيدة الجالسة إلى العذراوية"(٢٧)(آلة موسيقية). إن فرمير يصنع من الحياة العائلية ملحمة، أو قصيدة غنائية ذات لحظات عائلية بسيطة طبيعية؛ لا مشاهد جماعية ذات نشاط مختلط متعدد، بل-في أفضل ما رسم من لوحات-امرأة واحدة فقط، تقرأ رسالة في هدوء (٢٨)، أو تكب على خياطتها (٢٩) أو تتحلى بقلادة، أو تنام على خياطتها (٣٠)، أو مجرد صبية وابتسامتها (٣١). لقد سجل فرمير بفن كامل شكرانه لامرأة طيبة وبيت سعيد. ولكنه أوشك أن يكون نسياً منسياً في القرن الثامن عشر، ونسبت روائعه الصغير إلى دي هوخ، أو تير بورخ، أو رمبرانت، ولم يبعث من مثواه إلا في ١٨٥٨. واليوم لا يعلو على اسمه غير اسم رمبرانت وهالس في التصوير الهولندي.
بقي شيء واحد تفتقده في هؤلاء المصورين للحياة اليومية-هو حياة الطبيعة التي أحاطت بالمدن المتطفلة عليها. فإيطاليا، وبوسان في إيطاليا، كانا قد التقطا شيئاً من الهواء النقي والحقول الطلقة، وستكتشفها إنجلترا في القرن التالي، أما المصورون الهولنديون فقد تركوا الآن برهة بيوتهم وباطنها النظيف أو المرح، ووضعوا حواملهم ليقتنصوا سحر الغدران المترقرقة، وطواحين الهواء الساكنة الوادعة، والمزارع المزهرة، والأشجار التي تخجل تعجلنا المحموم، والمراكب الغريبة تتهادى في الثغور المزدحمة، والسحب التي تلون السماء بشتى الأشكال. والعالم كله يعرف لوحة "طريق ميدلهارنس" التي رسمها ماينديرت هوبيما-وهي منظور يتلاشى في فضاء لا نهاية له، ولكن أجمل منها بكثير لوحته "طاحونة الماء ذات السقف الأحمر الكبير (٣٢) ". وقد وجد ألبرت كوين الإلهام في الأبقار السمينة تخوض المستنقعات الوافرة الخضرة (٣٣)، والخيل تقف ظامئة عن خان، وفلوع