ليفور، الذي ولد في جنيف، وكان الآن لواء في الرابعة والثلاثين. وقد ابتهج القيصر الشاب بحسن طلعته وسرعة خاطره وأساليبه اللطيفة، فكان يتناول الطعام معه مرتين أو ثلاثاً في الأسبوع، الأمر الذي أفزع أهل موسكو، فهم ينظرون إلى جميع الأجانب نظرتهم إلى المهرطقين الأشرار. وقد فضل بطرس عشرة هذين الأجنبيين على عشرة الروس، لأنه رآهما أكثر تحظراً وإن لم يقلا عن الروس إسرافاً في الشراب، وقد فاقا الروس كثيراً في معارفهما الصناعية والعلمية والحربية، وكان حديثهما أرقى وملاهيهما أرفع. ولاحظ بطرس تسامحهما المتبادل في أمور الدين-فجوردون كان كاثوليكياً، وليفور بروتستنتياً-ووقف في ابتسام عراباً للأطفال الكاثوليك والبروتستنت على السواء عند جرن المعمودية. ثم تعلم من لغتي الألمان والهولنديين ما يكفي لتحقيق أهدافه.
أما أهدافه هذه فهي أن يجعل روسيا شديدة البأس في الحرب، منافسة للغرب في فنون السلم. لقد تعلم من النزيل الهولندي، البارون فون كيلر، كيف حافظ الهولنديون على ثروتهم وقوتهم في بناء السفن الجيدة. وتاقت نفسه لإيجاد منفذ إلى البحر، ولبناء أسطول بحري. ولم يكن له منفذ بحري إلا في أركانجل، التي كان يكتنفها الجليد نصف العام. ومع ذلك اتخذ طريقة إليها في ١٦٩٣. واشترى سفينة حربية هولندية راسية في الميناء، فلما تغلب على خوفه من البحر وأبحر على هذه السفينة أسكرته الفرحة، وكتب إلى ليفور يقول:"ستقودها أنت، وسأخدم أنا بحاراً بسيطاً فيها (١٦) ". وارتدى سترة قبطان هولندي، واختلط مغتبطاً بالبحارة الهولنديين في حانات الثغر. لقد كان الهواء الملح الذي هب عليه من البحر البارد نسمة منعشة من الغرب، من ذلك الإقليم، إقليم الصناعة والمنعة والعلم والفن، الذي كان يناديه في إغراء يزداد قوة يوماً بعد يوم.
وكان هناك طريقان عمليان إلى الغرب: أولهما طريق البلطيق الذي تسدّه السويد وبولندة، وثانيهما طريق البحر الأسود، الذي يسدّه التتار والترك. وكان التتار والترك يسيطرون عند آزوف على مصب الدون، ويغيران المرة بعد المرة على الأراضي الموسكوفية، ويأسران الروس-أحياناً عشرين ألفاً في سنة واحدة-ليبيعوهم عبيداً في