الأستانة. وفي ١٦٥٩ أمر بطرس جيشه أن ينتقل من التلهي بالألعاب إلى التمرس بالحرب، وأن يزحف مخترقاً السهوب، ويبحر هابطاً الأنهار، ويهاجم آزوف. واضطلع ثلاثة قواد بالقيادة قسمة بينهم-جولوفين، وجوردون، وليفور. وعمل بطرس بتواضع مدفعياً برتية رقيب في فوج بريوبرازينسكي. وأسيأت إدارة العملية، وكان الجند سيئي التدريب، وبعد أربعة عشر أسبوعاً من التضحيات أقلع الروس عن الحصار، وعاد بطرس إلى موسكو وهو يقسم ليدربن جيشاً أفضل ويعيدون الكرة.
وبنى فورونيز أسطول ناقلات وبوارج. وفي مايو ١٦٩٦ أبحر هابطاً الدون على رأس ٧٥. ٠٠٠ رجل، واستأنف حصار آزوف. وفي يوليو، وبفضل بسالة قوزاق دون على الأخص، استولى الروس على المدينة. وعلى الفور أمر بطرس ببناء أسطول كبير في فورونيز ليعمل في البحر الأسود. وفي سبيل هذا الهدف فرضت الضرائب على روسيا كلها بما فيها كبار ملاك الأراضي، وجنّد العمال، وجلبت الآلات الأجنبية. وبعث خمسون من أشراف الروس على نفقتهم إلى إيطاليا، وهولندة، وإنجلترا، ليتعلموا فن بناء السفن. وفي ١٠ مارس ١٦٩٧ تبعهم بطرس.
ولو خطر ببال روسيا أن القيصر سيمضي إلى بلاد تدنسها الهرطقة لأفزعتها الفكرة وروعتها. لذلك نظم سفارة من خمسة وخمسين نبيلاً ومائتي تابع، يرأسها ليفور، لتزور "أوربا" وتبحث عن حلفاء ضد الترك. وكان من هؤلاء المبعوثين الخمسة والخمسين صف ضابط لا يدعي إلا باسم بطرس ميخايلوف، ويستعمل ختماً عليه صورة نجار سفن وهذه العبارة "رتبتي تلميذ، وأنا في حاجة إلى معلمين (١٧) " فلما خرج بطرس من روسيا، لم يدقق في الاحتفاظ بهذا التنكر، فقد استضافه ناخب براندنبورج فردريك الثالث، والملك ليم الثالث في إنجلترا، والإمبراطور ليوبولد الأول في فيينا، بوصفه قيصر روسيا. ولقد صدم أهل القصور، حتى وهو يسفر عن مقامه الملكي، بجلافة سلوكه وحديثه، وبقذارته وإهماله، وبعزوفه على استعمال السكين والشوكة (١٨). ولكنه شق طريقه.