ولقيت السفارة المصاعب-التي لم ينسها بطرس قط-في سفرها إلى ريجا مخترقة ليفونيا السويدية. ومن هناك أسرع إلى كونيجزبيرج، حيثوقّع من الناخب معاهدة تجارة وصداقة. وفي براندنبورج درس المدفعة والتحصين على يد مهندس حربي بروسي أعطاه شهادة بتقدمه. وفي كوبنبروجي أقنعته صوفيا، ناخبة هانوفر الأرملة، وابنتها صوفيا ارلوت، ناخبة براندنبورج، هو وبطانته بالعشاء والرقص معهما. وقد وصفته الناخبة الأرملة فيما بعد بهذه العبارات:
"إن القيصر رجل فارع الطول، دقيق الملامح، رائع السمت، له ذهن شديد الحيوية، وبديهة حاضرة .. .. وليت عاداته أقل جلافة … كان كرحاً جداً، كثير الحديث، وقد كونا صداقة حميمة فيما بيننا .... أخبرنا أنه يعمل في بناء السفن، وأرانا يديه، وجعلنا نلمس المواضع القاسية التي خلفها بهما العمل … إنه رجل شديد الغرابة … طيب القلب جداً، نبيل العاطفة إلى حد عجيب … ولم يشرب حتى يثمل في حضرتنا، ولكن ما إن بارحنا المكان حتى عوض أفراد بطانته عن قصده في الشراب … وهو حساس لمفاتن الجمال … ولكني لم أجد فيه ميلاً للتودد لنساء … وفي؟ أثناء الرقص حسب الموسكوفيون عظام الحوت المصنوعة منها مشدّاتنا عظامنا، وأبدى القيصر دهشته بقوله أن للنساء الألمانيات عظاماً قاسية إلى حد رهيب (١٩) ".
ومن كوبنبروجي، أبحرت السفارة هابطة الرين إلى هولندة. وترك بطرس ونفر من أخصائه أكثر الجماعة في امستردام، ومضوا إلى زاندام، وكانت يومها مركزاً كبيراً لبناء السفن (١٨ أغسطس ١٦٩٧). فقد سمع الكثير، حتى في روسيا، عن مهارة بناء السفن في هذه المدينة الجميلة. وتعرف في شوارعها على صانع عرفه في موسكو، اسمه جيريت كيست. وطلب إليه بطرس أن يتستّر على تنكره، واقترح أن يسكن كوخ كيست الخشبي الصغير. وهناك مكث أسبوعاً يرتدي زي عامل هولندي، وينفق نهاره في مراقبة نجاري السفن وهم يشتغلون، ويجد في ليله متسعاً لمغازلة فتاة تخدم في حانة الحي. وفي سنوات لاحقة زار جوزف الثاني ونابليون هذا الكوخ كأنه مكان مقدس، وجمّله القيصر اسكندر الأول بلوحة رخامية، وكتب شاعر