للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هولندي على الحائط بيتاً مشهوراً: لا شيء يصغر في نظر الرجل العظيم (٢٠) ".

فلما ضاق بطرس بالجموع التي تبعته في كل خطوة بزاندام، عاد إلى أمستردام وسفارته. وهنا أيضاً أصر على التنكر، ولكنه سمى نفسه الآن "النجار بطرس الزاندامي". وأقنع شركة الهند الشرقية الهولندية بأن تسمح له بالانخراط في سلك عملها بأحواض السفن في أوستنبورج وهناك اشتغل بهمة مع عشرة من أتباعه طوال شهور أربعة، وعاونوا في بناء سفينة وإنزالها إلى الماء. ولم يسمح بأي تفرقة بينه وبين العمال الآخرين، وحمل على كتفه الأخشاب كما حملها سائرهم. وكان في الليل يدرس الهندسة ونظرية بناء السفن، وتبين مذكراته مبلغ دقة هذه الدراسات. ووجد متسعاً من الوقت لزيارة المصانع، والوؤش، ومتاحف التشريح، والحدائق النباتية، والمسارح، والمستشفيات. وقابل الطبيب وعالم النبات العظيم بويرهافي، ودرس المكروسكوبيا على ليوفينهويك، واصطحب بطانته إلى مدرج تشريح بويرهافي. ودرس الهندسة الحربية على البارون فان كويهورن، والعمارة على شينفويت، والميكانيكا على فان درهيدن. وتعلم كيف يخلع الأسنان، ولقي بعض مساعديه عنتاً من جراء حماسته في علاج الأسنان. ودخل منازل الهولنديين ليدرس حياتهم الأسرية وتنظيم بيوتهم. واشترى في الأسواق، وخالط الناس، وتعجب من حرفهم المتنوعة، وتعلم أن يصلح ملابسه ويرقع حذاءه. واحتسى الجعة والنبيذ من الهولنديين في مشاربهم. وأغلب الظن أن التاريخ لم يشهد رجلاً أشوق منه إلى تشرب الحياة وتذوقها.

وفي هذا النشاط كله لم تغب روسيا عن نظره. فوجه برسائله أعمال حكومتها النائبة عنه. واستخدم وأرسل إلى روسيا عدة قباطنة بحريين، وخمسة وثلاثين ملازماً، واثنين وسبعين مرشداً، وخمسين طبيباً، وأربعة طباخين، و٣٤٥ بحاراً. وبعث إلى روسيا على عجل ٢٦٠ صندوقاً من البنادق، وقماش القلوع، والبوصلات، وعظم الحوت والفلين، والمراسي، والعدد، وحتى ثماني قطع من الرخام ليشتغل عليها النحاتون الروس (٢١). ولكن اهتمامه كان يفتر إذا اتصل الأمر بتهذيب العادات، أو لطائف المجتمع، أو دقائق الفكر، ولم يكن لديه