بأنها طبيعية أو ضرورية في زمانه أو مكانه. حقاً لقد ألف الروس القسوة، ولعلهم كانوا أقل حساسية للألم من ذوي الأعصاب الأكثر رهافة، وربما كانوا في حاجة إلى تأديب صارم، بيد أن قيام بطرس شخصياً تقريباً بذبح حامية موسكو يوحي بلذة سادية بالقسوة، وشبق للدماء، وما كان هناك ضرورة من ضرورات الدولة تقتضي تقطيع اثنين من المتآمرين شرائح حتى يموتا (٨). لقد كان في بطرس مناعة ضد الرحمة أو الحنان، وأعوزه ذلك الإحساس بالعدالة الذي كبح نزوات لويس الرابع عشر أو فردريك الأكبر. أما انتهاكاته لوعوده القاطعة فكانت تنسجم تماماً وسنة العصر.
وكان يرى ككل فلاح روسي أن السكر استعفاء معقول من واقع الحياة. فلقد اضطلع بكل أعباء الدولة، وبمهمة أخطر بكثير هي مهمة تحويل شعب شرقي إلى الحضارة الغربية، ومن ثم بدا الشراب والقصف مع أصحابه تخففاً يستحقه. وكان يتقبل من كل قلبه حكمة الفلاحين التي تزعم أن الشراب فرحة الروسي. وكان مما يقيس به قدر الرجل قدرته على احتمال الشراب. وحين كان في باريس راهن على أن كاهن اعترافه يستطيع أن يشرب أكثر، ويظل أثبت جناناً، من الكاهن أمين سر الوزارة الفرنسية، ومضت المباراة ساعة، فلما تدحرج الأب الفرنسي تحت المائدة ضم بطرس كاهنه إليه لأنه "أنقذ شرف روسيا (٩) ". وحوالي عام ١٦٩٠ ألف بطرس وخلصاؤه فرقة سموها "جماعة المخمورين من الحمقى والمهرجين"" (السوبور). وانتخب الأمير فيودور رومودانوفسكي قيصراً للسوبور، وقبل بطرس منصباً أدنى (كما فعل في الجيش والبحرية)، وكثيراً ما كان في الحياة الواقعية يتظاهر بأن رومودانوفسكي هو قيصر روسيا. وكان "سوبور" السكارى هذا مكرساً رسمياً لعبادة باخوس وفينوس، وكانت له شعائر معقدة، تقلد في سوقية وفحش شعائر الكنيستين الأرثوذكسية الروسية والكاثوليكية الرومانية، والكثير من هذه الشعائر الساخرة كان من وضع بطرس نفسه. وشارك السوبور في كثير من احتفالات الدولة الرسمية. فلما تزوج بطريركه الهزلي نيكيتا زاتوف، البالغ من العمر أربعة وثمانين عاماً، عروساً في الستين، صمم بطرس وأدار احتفالاً بذيئاً مزيناً (١٧١٥)، يشارك فيه نبلاء البلاط ونبيلاته جنباً إلى جنب مع الدببة والغزلان والتيوس، ويعزف السفراء على الناي أو الأرغن اليدوي، ويدق بطرس على الطبل (١٠).