للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كان حبه للفكاهة صخاباً لا يعرف القيود، وكثيراً ما أسف حتى استحال تهريجاً. وكان بلاطه يعج بالمهرجين والأقزام الذين كانوا عنصراً لا غنى عنه لكل احتفال. وذات مرة ركب القيصر، الذي ناهز سبعة أقدام طولاً وراح يلعب دور جليفر أمام الليليبوتيين، في موكب على رأس أربعة وعشرين قزماً راكبين. وكان يقتني في فترة من الفترات اثنين وسبعين قزماً في بلاطه، ويقدم بعضهم على المائدة في فطائر هائلة الحجم. كذلك كان عنده عمالقة، ولكن أكثرهم أرسلوا هدية لفردريك وليم ملك بروسيا لينخرطوا في جيش عمالقته "المسلات". وقد أهدى إلى بطرس عدة زنوج وكان يقدرهم تقديراً كبيراً، وبعث بعضهم إلى باريس ليتعلموا، وأصبح أحدهم قائداً روسياً، وهو الجد الأكبر للشاعر بوشكين.

إلى الآن صورنا بطرس رجلاً ما زالت تغلب عليه الفطرة الهمجية، رجلاً من طراز ايفان الرهيب ولكنه مرح، تواقاً إلى التحضر ولكنه يحسد الغرب-لا على لطائفة وفنونه بل على جيوشه وأساطيله، وعلى تجارته وصناعته وثروته. وكانت فضائله موجهة إلى هذه الغايات باعتبارها مقومات الحضارة. ومن هنا فضوله الذي لا يشيع. فهو يريد أن يعرف عن كل شيء كيف يسير، ثم كيف السبيل إلى تسييره سيراً أفضل. وقد أضنى مساعديه أثناء رحلاته بالجري هنا وهناك ليرى هذا وذاك حتى أثناء الليل. كان في غمرة من أفكاره، فأذهب بذلك ليبنتز، الذي كان في غمرة أخرى من أفكاره، ولكن أفكار بطرس كانت نفعية لا خفاء فيها. فقد كان له عقل مفتوح لأي شيء قد يعين وطنه على اللحاق بالغرب. وفي وسط أمة متدينة تديناً عابساً، معادية بتعصب للعقائد الغربية ولأساليب الحياة الدخيلة، كان مبرأ من التحيز كأنه الطفل أو الحكيم، يجرب الكاثوليكية، والبروتستنتية، وحتى الإلحاد. كان مقلداً أكثر منه مبتكراً، نقل الأفكار المجلوبة أكثر مما تصورها، ولكن في محاولته لرفع أمه إلى مستوى المنافسة مع الغرب، كان من الأحكم أن تستوعب هذه الأمة خير ما يستطيع الغرب تعليمه أولاً، ثم تحاول التفوق عليه. إن المحاكاة لم تكن قط بمثل هذه الأصالة.

وقد رفعه تفانيه الدءوب في سبيل هذا الهدف من الهمجية إلى