للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

العظمة. وإذا كان قد سخر وأفنى ملايين الروس لتحقيق غاياته فإنه أفنى نفسه أيضاً في محاولته إعطاء روسيا جيشاً عصرياً، وحكومة أكفأ، وصناعات أكثر تنوعاً وإنتاجاً، وتجارة أوسع، وثغور تستطيع أن تتصل بالعالم. كان يتوخى القصد في كل شيء إلا الحياة البشرية، التي كانت السلعة الوحيدة التي تزخر بها روسيا. وكان أول إجراء له تقريباً حين تقلد زمام الحكم أنه طرد جيش الخدم وموظفي القصر الذين غص بهم البيت المالك، وباع ثلاثة آلاف جواد من المرابط الملكية، وأطاح بثلاثمائة من الطهاة وصبيانهم، وخفض عدد الجالسين إلى مائدة الملك حتى في الأعياد إلى ستة عشر على الأكثر، واستغنى عن الاستقبالات والمراقص الرسمية، وحول إلى الدولة المبالغ التي كانت إلى ذلك الحين مخصصة لهذه الكماليات. وكان أبوه ألكسيس قد خلف له من الممتلكات الشخصية ١٠. ٧٣٤ ديسياتيناً (٢٨. ٩٨٢ فداناً) من الأرض المزروعة وخمسين ألف بيت، تغل ريعاً قدره ٢٠٠. ٠٠٠ روبل في العام. فنزل بطرس عن هذا كله تقريباً لخزانة الدولة، ولم يحتفظ لنفسه إلا بالميراث القديم لأسرة رومانوف-وهو ثمانمائة "نفس" في إقليم نوفجورود. وعلى عكس لويس الرابع عشر، خفض أعظم قيصر تبوأ عرش روسيا حاشيته في الواقع إلى بضعة أصدقاء، مع احتفال بين الحين والحين، غير رسمي وأحياناً صاخب، ليضفي بعض الحيوية على جو موسكو الرتيب. وكثيراً ما استحال اقتصاده شحاً شديداً. فكان يبخس موظفي قصره أجورهم، ويقتر في حساب نفقة القصر اليومية من الطعام، ولا يدعو أصدقاءه لغداء أو عشاء بل لرحلات خلوية يدفع فيها كل منهم نصيبه، ولما اشتكت البغايا اللاتي يرفهن عنه من ضآلة أتعابهن أجاب بأنه ينقدهن قدر ما ينقد رامي القنابل اليدوية، وهو رجل تفوق خدماته خدماتهن قيمة.

أما النساء فكن أحداثاً عارضة قليلة الخطر في حياته باستثناء واحد. ذلك أنه لم يكن مرهف الحس بالجمال. نعم كانت له حاجات جنسية، ولكنه أشبعها دون احتفال. ولم يكن يحب أن ينام وحيداً، ولكن لا شأن لهذا بالجنس، وكان أحد الخدم يقاسمه فراشه عادة، ولعله كان يحتاج إلى شخص قريب منه إذا دهمته تشنجاته في الليل. وحين بلغ السابعة عشرة، ورغبة في تهدئة أمه، تزوج يودوكسيا لوبوخينا، التي وصفت بأنها "جميلة غبية"، فلما وجد إحدى