والتمست الكثرة العظمى من منفيي الصفارديم ملاذاً في بلاد المسلمين، وكونوا أو انضموا إلى مستوطنات يهودية في شمال أفريقية وسالونيك، والقاهرة، والآستانة، وأدرنة، وأزمير، وحلب، وإيران. في هذه المراكز تعرض اليهود لقيود سياسية واقتصادية، ولكن ندر أن تعرضوا لاضطهاد بدني. وبلغ اليهود مكانة مرموقة لا بوصفهم أطباء فحسب، بل مشاركين في شئون الدولة. من ذلك أن يوسف ناصي، أحد المارانو كان مقرباً لسليم الثاني، وكان بصفته دوق ناكسوس (١٥٦٦) يتسلم إيراد عشر جزر في الأرخبيل (٧). وكان يهودي ألماني يدعى سليمان بن ناثان أشكنازي سفيراً لتركيا في فيينا في ١٥٧١، ودخل في مفاوضات هناك لإبرام صلح أنهى الحرب حيناً مع الباب العالي.
أما في إيطاليا فإن حظوظ اليهود كانت بين صعود وأفول تبعاً لحاجات الأدواق والبابوات وأمزجتهم. ففي ميلان ونابلي، وكلاهما كانت تحكمه أسبانيا، كادت الحيل تستحيل عليهم، وفي عام ١٦٦٩ طردهم مرسوم صريح من جميع الممتلكات الأسبانية. أما في بيزا وليفورنو (لجهورن) فقد منحهم كبار الأدواق التوسكانيون الحرية الكاملة تقريباً، لحرصهم على تنمية تجارة هذين الثغرين الحرين. وصدر في ١٥٩٣ مرسوم للتجار في هاتين المدينتين كان في حقيقته دعوة موجهة للمارانو "نود ألا يقوم أي … تحقيق ديني، أو افتقاد، أو تنديد، أو اتهام. ضدكم أو ضد أسركم، حتى ولو كانوا فيما مضي يعيشون خارج أملاكنا متخفين كمسيحيين، أو تسموا بأسماء المسيحيين (٨) " ونجحت الخطة، وازدهرت ليفورنو، واشتهرت جاليتها اليهودية-التي لم تفقها عدداً سوى جاليتي رما والبندقية-بثقافتها كما اشتهرت بثرائها.
أما مجلس شيوخ البندقية فكان يطرد اليهود المرة بعد المرة خوفاً عن علاقاتهم بتركيا، ويسمح لهم المرة بعد المرة بالعودة باعتبارهم عنصراً ذا قيمة لا في التجارة والمالية فحسب بل في الصناعة أيضاً، فقد استخدمت المشاريع اليهودية في البندقية أربعة آلاف عامل مسيحي (٩). واستوطنها اليهود الألمان والشرقيون كما استوطنها اليهود الصفارديم، وبسط مجلس الشيوخ عليهم حمايته من ديوان