بها ويفسد شئونها، أما الذي لا يفعل هذا فهو نعمة لها وبركة.
وانما كان صاحب الفكر خطرا على الدولة لأنه لا يفكر الا في الانظمة والقوانين؛ فهو يرغب في اقامة مجتمع على قواعد هندسية، ولا يدرك أن أنظمته انما تقضي على ما يتمتع به المجتمع من حرية حيوية، وما في أجزائه من نشاط وقوة. أما الرجل البسيط الذي يعرف من تجاربه ما في العمل الذي يتصوره ويقوم به بكامل حريته من لذة، وما ينتجه من ثمرة، فهو أقل من العالم خطرا على الامة اذا تولى تدبير أمورها، لأنه لا يحتاج إلى من يدله على أن القانون شديد الخطر عليها، وأنه قد يضرها أكثر مما ينفعها. فهذا الرجل لا يضع للناس من الانظمة الا أقل قدر مستطاع، واذا تولى قيادة الامة ابتعد بها عن جميع أفانين الخداع والتعقيد، وقادها نحو البساطة العادية التي تسير فيها الحياة سيرا حكيما على النهج الطبيعي الحكيم الرتيب الخالي من التفكير، وحتى الكتابة نفسها يهمل أمرها في هذا النمط من الحكم لأنها أداة غير طبيعية تهدف إلى الشر. فإذا تحررت غرائز الناس الاقتصادية التلقائية التي تحركها شهوة الطعام والحب من القيود التي تفرضها الحكومات دفعت عجلة الحياة في مسيرها البسيط الصحيح. وفي هذه الحال تقل المخترعات التي لا تفيد الا في زيادة ثراء الاغنياء وقوة الاقوياء؛ وتنمحي الكتب والقوانين والصناعات ولا تبقى الا التجارة القروية.
"ان كثرة النواهي والمحرمات في المملكة تزيد من فقر الأهلين. وكلما زاد عدد الأدوات التي تضاعف من كسبهم زاد نظام الدولة والعشيرة اضطرابا، وكلما زاد ما يجيده الناس من أعمال الختل والحذق زاد عدد ما يلجئون إليه من حيل غريبة وكلما كثرت الشرائع والقوانين كثر عدد اللصوص وقطاع الطرق؛ ولهذا قال أحد الحكماء: " لن أفعل شيئا، فيتبدل الناس من تلقاء أنفسهم، وسأولع بأن أبقى ساكنا فينصلح الناس من تلقاء أنفسهم، ولن أشغل بالي بأمور الناس فيثرى الناس من تلقاء أنفسهم؛ ولن أظهر شيئا من المطامع فيصل الناس من