للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تلقاء أنفسهم إلى ما كانوا عليه من سذاجة بدائية …

وسأنظم الدولة الصغيرة القليلة السكان بحيث اذا وجد فيها أفراد للواحد منهم من الكفايات ما لعشرة رجال أو مائة رجل فلن يكون لهؤلاء الافراد عمل؛ وسأجعل الناس فيها، وان نظروا إلى الموت على أنه شيء محزن يؤسف له، لا يخرجون منها (لينجوا بأنفسهم منه)؛ ومع أن لهم سفنا وعربات فإنهم لا يرون ما يدعوا إلى ركوبها؛ ومع أن لهم ثيابا منتفخة وأسلحة حادة، فإنهم لا يجدون ما يدعوا إلى لبس الاولى أو استخدام الثانية، وسأجعل الناس يعودون إلى استخدام الحبال المعقودة (١).

وسيرون أن طعامهم (الخشن) وملابسهم (البسيطة) جميلة، ومساكنهم (الحقيرة) أمكنة للراحة، وأساليبهم العادية المألوفة مصادر للذة والمتعة، وإذا كانت هناك دولة مجاورة قريبة منا نراها بأعيننا وتصل إلى آذاننا منها نقنقة الدجاج ونباح الكلاب، فإني لن أجعل للناس وان طال عمرهم صلة بها إلى يوم مماتهم".

ترى ما هي هذه الطبيعة التي يرغب لَوْ- دزه، في أن يتخذها مرشدا له وهاديا؟ ان هذا المعلم القديم يفرق بين الطبيعة والحضارة تفريقا محددا واضح المعالم، كما فعل روسو من بعده في عباراته الطنانة الرنانة التي يطلق عليها الناس اسم "التفكير الحديث"؛ فالطبيعة في نظره هي النشاط التلقائي، وانسياب الحوادث العادية المألوفة، وهي النظام العظيم الذي تتبعه الفصول وتتبعه السماء؛ وهي الدو أو الطريقة الممثلة المجسمة في كل مجرى وكل صخرة وكل نجم؛ وهي قانون الاشياء العادل الذي لا يحفل بالاشخاص، ولكنه مع ذلك قانون معقول يجب أن يخضع له قانون السلوك اذا اراد الناس أن يعيشوا في حكمة وسلام. وقانون الاشياء هذا هو الدو أو طريقة الكون كما أن قانون السلوك هو الدو أو طريقة الحياة. ويرى


(١) طريقة في نقل الأفكار سابقة على الكتابة. ولفظ أجعل هنا بعيد بعض البعد عن الأسلوب الودزي.