للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يكون أكثر إنصافاً أن ندرجه في عداد الشكاكين، وأنه كان كذلك يشك في مذهب الشك. ومن حيث أن الصفات الثانوية للحس ذاتية إلى حد كبي، فإن العالم الموضوعي (الخارجي) يختلف كل الاختلاف عما يبدو لنا. "إن الطبيعة المطلقة للأشياء غير معروفة لنا، وكل ما نعرفه هو بعض علاقات بعضها ببعض (٣٣). وفي ٢٦٠٠ صحيفة من الاستنتاج والحجج والبراهين اعترف بضعف العقل، فإن العقل، مثل الحواس التي يعتمد عليها، قد يخدعنا. لأنه غالباً ما يتغشاه الانفعال. والرغبة والهوى، لا العقل، هما اللذان يحددان سلوكنا. فالعقل يمكن أن يعلمنا أن نشك ولكنه قليلاً ما يحركنا للعمل.

إن أسباب الشك مشكوك فيها هي الأخرى. ومن ثم يجب على الإنسان أن يشك فيما إذا كان ينبغي له أن يشك. أية فوضى. وأي عذاب للذهن … إن عقلنا يؤدي بنا إلى أن نتيه ونهيم على وجوهنا على غير هدى. لأنه حين يكشف عن أكبر قدر من حدة الذهن والدقة، يلقي بنا في الهاوية … أن العقل البشري أداة هدم، لا أداة بناء، إنه لا يصلح إلا ليبدأ الشك، ويجول وينتقل هنا وهناك ليديم الصراع (٣٤).

وبناء على هذا أشار بيل على الفلاسفة ألا يقيموا للفلسفة وزناً كبيراً، ونصح المصلحين بالا يتوقعوا كثيراً من الإصلاح. وحيث أنه واضح أن الطبيعة الإنسانية هي هي على مر القرون، فإنها بفعل الجشع وحب المشاكسة والشهوة الجنسية، ستظل تثير من المشاكل ما يفسد المجتمعات ويؤدي إلى فناء أية مدينة فاضلة (يوتوبيا) في مهدها. أن الناس لا يتعلمون من التاريخ، وكل جيل يتمخض عن نفس الأهواء والأوهام الخادعة والجرائم. ومن ثم فإن الديموقراطية خطأ في التقدير قدر ما هي حقيقية، فالسماح للدهماء المشغولين المضللين المتهورين باختيار الحكام ورسم السياسة هو انتحار للدولة. وأي نوع من الملكية أمر ضروري، حتى في ظل أشكال ديموقراطية (٣٥). والتقدم أيضاً وهم وخداع، إننا خطأ نحسب الحركة تقدماً، ولكن يحتمل أنها مجرد تذبذب (٣٦). أن خير ما نأمل