فيه، هو حكومة يمكنها، على الرغم من أنها مزودة برجال شيمتهم الفساد ويعوزهم الكمال، أن تسن لنا من القوانين ما يكفل لنا أن نزرع حدائقنا في أمان وننصرف إلى دراستنا وهوياتنا في هدوء وسلام.
ولم يستمتع بيل بمثل هذا الهدوء في السنوات التسع التي بقيت له في حياته، وحين انتقل قراؤه من متن الكتاب إلى حواشيه المطبوعة بحروف صغيرة جداً ثارت موجة من الاستياء بينهم. ودعا مجلس كنيسة والون في روتردام بيل-وهو عضو في مجمعها-للمثول أمامه ليرد على الاتهامات الموجهة إليه بأن قاموسه تضمن "تعبيرات ومسائل غير لائقة، وكثيراً جداً من الاقتباسات الفاجرة، وملاحظات عدائية عن الإلحاد وأبيقور، وبخاصة مقالات كريهة مثيرة للاعتراض على داود وبيرهو والمانويين. ووعد بيل "بمزيد من التأمل في مذهب المانوية حتى إذا عثر على أية ردود، أو أمده قساوسة المجلس بشيء منها، فإنه "يسعده أن يضعها في أحسن صيغة ممكنة (٣٧) ". وفي الطبعة الثانية من القاموس (١٧٠٢) أعاد كتابة المقال الوارد عن داود وخفف من حدته. ولم يهدأ روع جوريو، وجدد الحملة على بيل، وشن عليه في ١٧٠٦ هجوماً عنيفاً تحت عنوان "اتهام فيلسوف روتردام ومهاجمته وإدانته".
وانهارت صحة بيل بعد هذه الطبعة الثانية. وعانى مثل سبينوزا من السل. وفي تلك السنوات لازمه السعال بشكل دائم تقريباً، وانتابته الحمى الراجعة، وزاد الصداع من اكتئابه وجزعه. واقتنع بالا أمل في البرء من علته، استسلم للموت، وزاد اعتكافه في حجرته، واشتغل ليل نهار في إعداد رده على ناقديه. وفي ٢٧ ديسمبر ١٧٠٦ أرسل الصيغة النهائية إلى المطبعة. وفي صباح اليوم التالي وجده أصدقاؤه ميتاً في فراشه.
وانتشر تأثيره طوال القرن الثامن عشر. وأعيد طبع قاموسه عدة مرات، حتى أصبح مصدر ابتهاج خفي لآلاف العقول الثائرة. وما وافى علم ١٧٥٠ حتى كان القاموس قد طبع تسع مرات باللغة الفرنسية، وثلاث مرات بالإنجليزية ومرة بالألمانية. وحاول المعجبون