في تكذيبه، ولكن لا بد أن نضيف أن هذا الأبيه كان دارساً كفئاً، ومساعداً قديراً، ودبلوماسياً حكيماً موفقاً، وأن فيليب لخبرته بالرجل ظل وفياً له إلى النهاية.
أما التلميذ، الذي ربما كان نسبه من ناحية الأب قد أفسده، فقد تلقف تعليمات أستاذه وبزها عقلاً ورذيلة. أبهج معلمه بذاكرته القوية، وفطنته العقلية، وذكائه الثاقب، وفهمه وتذوق للأدب والفن. وأتاه دبوا بفونتنيل ليعلمه أصول العلوم، وبهومبيرج ليعلمه أصول الكيمياء، وسيكون لفيليب فيما بعد مختبره الخاص كما كان لتشارلز الثاني ملك إنجلترا ولفولتير في سيريه، وسيلتمس في التجارب الكيميائية بعض الراحة من حياة الزنا والفجور. وكان يرسم صوراً لا بأس بها، ويعزف على القيثارة، ويحفر الرسوم للكتب، ويجمع التحف جمع ذواقة خبير ولم يتعمق واحداً من هذه الميادين، فقد اهتماماته شديدة التنوع، وملاهيه تستأثر بوقته. وكان بريئاً كل البراءة من الإيمان الديني، وحتى أمام الناس "تظاهر باستهتار مخز بالدين (١٢) " وفي هذا، كما في إباحته الجنسية، كان رمزاً وحافزاً لبلده وللقرن الذي عاش فيه.
لقد كان كأكثرنا خليطاً مضطرباً من الشخصيات. يكذب في يسر وفي ابتهاج خبيث عند الحاجة أو للنزوة الطارئة، وينفق ملايين الفرنكات المنتزعة من شعب مملق على ملاهيه وهواياته الشخصية؛ على أنه كان جواداً عطوفاً، بشوشاً متسامحاً، "بطبيعته طيب القلب عطوف، رءوف (كما قال سان-سيمون (١٣)) أكثر وفاء لأصدقائه منه لخليلاته. وكان يثمل بالشراب كأن السكر شعيرة يؤديها كل ليلة قبل أن يمضي إلى فراشه (١٤). فإذا وبخته أمه أجابها "من السادسة صباحاً حتى الليل يفرض على العمل الطويل المضني، ولولا أني ألهو بعد ذلك لما أطقته، ولمت كمداً (١٥) ".
وربما كان له من إجهاض حبه الأول عذر في إسرافه في الجنس. ذلك أنه شغف حباً بالآنسة سيري، وكانت وصيفة شرف لأمه، عريقة المولد. فراح ينظم لها القوافي، ويغني لها، ويزورها مرتين في