الواقعية العرضية ألقت طيات رقيقة لثوب امرأة ذلك الضوء الواهن الذي تميز به فاتو. وكان سعال سله يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، فاتخذ بيتاً في نوجن، قرب فانسين، معللاً نفسه بأن هواء الريف سيعينه على البرء. وهناك، بين أحضان جيرسان والكنيسة، مات (١٨ يوليو ١٧٢١) غير متجاوز السابعة والثلاثين.
وقد سرت عدوى مرضه الطويل إلى خلقه وفنه. وكان، وهو الرجل النحيل الممروض العصبي الحييّ، السريع الإعياء، النادر الابتسام، القليل المرح-يقصي حزنه على فنه، فصور الحياة كما رأتها أحلامه وأمانيه-مشهداً عريضاً من الممثلين المرحين والنساء اللدنات، وأغنية للفرح الملهوف. وإذ كان أضعف من أن يجري وراء شهوات الحس، فإنه احتفظ وسط إباحية عهد الوصاية بلياقة في الخلق انعكست في مزاج إنتاجه. صحيح إنه رسم بعض النسوة العاريات، ولكنهن خلون من إغراء اللحم، وفيما عدا هؤلاء كانت نساؤه يرتدين ثياباً مشرقة تخطر في خفة وحذر خلال دهاليز الحب. وتنقلت فرشاته بين تقلبات الممثلين، ومراسم الغزل، ومشاكل الجو. فأضفى على شخص "غير المكترث (٦٦) " أغلى وأشف ما استطاع تخيله من ثياب. وصور "الكوميديين الفرنسيين (٦٧) " في مشهد درامي، والتقط صورة الممثل الإيطالي جوزيبي باليتي في دور المهرج جيل (٦٨)، غارقاً في التفكير مرتدياً سراويل بيضاء. وفاجأ "عازف جيتار (٦٩) " في لحظة اكتئاب غرامي، ورأى "حفلة موسيقية (٧٠) " مسحورة بعزف العود. وقد وضع شخصياته أمام خلفيات حالمة، من نوافير عابثة، وأشجار متمايلة، وغيوم سابحة، يتخللها هنا وهناك تمثال وثني يردد به صدى بوسان، كما نلحظ في "مهرجان الحب (٧١) " أو "الفراديس السعيدة (٧١) " كان يحب النساء على بعد متهيب، بكل أشواق رجل أوهن من أن يلتمس ودهن، وقد انفعل بأعطافهن الدافئة أقل من انفعاله ببهاء شعورهن وانسياب أثوابهن المتموج. فألقى على ثيابهن كل سحر ألوانه، وكان يعرف أن المرأة باتت بفضل هذا اللباس هذا السر الغامض الذي بعث نصف ذكاء العالم، وشعره، وإعجابه الشديد، فضلاً عن إنجابه النوع الإنساني.