والطيش، والحب، وسحر الأخطاء الرقيقة، كل أولئك ربط بين قلوبنا الثلاثة. ألا ما كان أسعدنا، إذا لم يقو على تكدير صفونا حتى الفقر، رفيق السعادة الحزين. كنا شباباً، مرحين، قنوعين، خالين من الهموم، لا يشغلنا التفكير في المستقبل، رغباتنا كلها تحدّها مباهجنا الراهنة-فأي حاجة بنا بعد هذا لثراء لا غناء فيه؟ لقد كنا نملك شيئاً أفضل منه جداً، كنا نملك السعادة (٩٩)".
وتزوجت سوزان رجلاً غنياً يدعى المركيز جوفرينه، وأبت أن تدخل فولتير بيتها حين أتى لزيارتها. وعزى نفسه بهذه الفكرة، وهي أن "كل الماسات واللآلئ التي تزينها الآن لا تعدل قبلة من قبلاتها في الأيام الخالية (١٠٠)". ولم يرها ثانية حتى عاد إلى باريس بعد إحدى وخمسين سنة ليموت، عندها أصر وهو في الثالثة والثمانين على زيارة المركيزة الأرملة، وكانت قد بلغت الرابعة والثمانين. لقد كان يسكن فولتير هذا شيطان، ولكن كان يسكنه أيضاً أرق قلب في الوجود.
على أنه لم يجد الباستيل سجناً لا يطاق. فقد سمح له بأن يرسل في طلب الكتب، والأثاث، والثياب الداخلية، وطاقية النوم، والعطر، وأن يدفع ثمن هذا كله، وكثيراً ما كان يتناول طعامه مع مأمور السجن ويلعب البليارد والبولنج مع السجناء والحراس، وقد كتب فيه ملحمة "الهنريادة". لقد كانت الألياذة من الكتب التي أرسل في طلبها، وساءل نفسه: لم لا ينافس هومر؟ ولم تقصر الملاحم على الأساطير؟ إن في التاريخ الحي رجلاً هو هنري الرابع، إنسان مرح، جسور، بطل، فاسق، متسامح، كريم، فلم لا تصلح تلك الحياة المغامرة الفاجعة لشعر الملاحم؟ ولم يكن مسموحاً للسجين بورق الكتابة لأنه قد يستحيل في يده سلاحاً فتاكاً، لذلك كتب النصف الأول من ملحمته بين سطور الكتب المطبوعة.
وأفرج عنه في ١١ أبريل ١٧١٨، ولكنه منع من البقاء في باريس ومن شاتينه القريبة من سو كتب إلى الوصي رسائل يلتمس فيها الصفح، ولانت قناة الوصي ثانية، وفي ١٢ أكتوبر أصدر إذناً "للسيد آرويه دفولتير بالمجيء إلى باريس حين يشاء (١٠١) ".