أما فولتير، الذي قلّما كان يطيق النقد، فقد علق على قصيدة لروسو عنوانها "قصيدة غنائية للأجيال القادمة" بقوله "أتعلم يا سيدي أنني لا أعتقد أن هذه القصيدة ستصل أبداً إلى من وجهت إليهم؟ (١٠٨) " وقد ظلا ينهش أحدهما الآخر حتى وفاة روسو. وبينما كان فولتير وكونتيسته يواصلان رحلتهما إلى هولندا كشفت له عن شكوكها الدينية، وسألته عن آرائه. وإذ كان فولتير جياشاً بالشعر، فقد رد بقصيدة شهيرة سماها "رسالة إلى أوراني" لم تنشر إلا سنة ١٧٣٢، ولم يعترف بها فولتير إلا بعد أربعين سنة. وكل شاب مسيحي مرهف الحس سيتبين فيها مرحلة في تطوره. يقول فولتير "إذن أنت تودين أيتها الجميلة أوراني (اسم لأفروديت) وقد بعثت بأمرك في هيئة لوكريتيوس جديد، أن أمزق أمام عينيك بيد جريئة القناع عن الخرافات، وأن أعرض عليك ذلك المشهد الخطر، مشهد الأكاذيب المقدسة التي تزخر بها الأرض، وأن تعلمك فلسفتي ازدراء أهوال القبر ومخاوف الحياة الآخرة".
ويسير الشاعر بـ "خطى ملؤها الاحترام". فيقول "إني أريد أن أحب الله، وألتمس فيه أبي"، ولكن أي نوع من الإله يقمه لنا اللاهوت المسيحي؟ "طاغية ينبغي أن نكرهه. خلق البشر "على صورته" ليجعلهم حقراء، وأعطانا قلوباً آثمة ليكون له حق عقابنا. جعلنا نحب اللذة لكي يعذبنا بآلام رهيبة … أبدية". وما أن خلقنا حتى فكر في إهلاكنا. فأمر المياه بأن تغرق الأرض. وأرسل ابنه ليفكر عن خطايانا، لقد مات المسيح، ولكنه مات عبثاً فيما يبدو، إذ يقال لنا أننا ما زلنا ملوثين بجريمة آدم وحواء، وابن الله الذي يمتدح كثيراً على رحمته، يمثل لنا وكأنه ينتظر بروح الثأر أن يقذف بأكثرنا إلى الجحيم، بما فينا أناس لا حصر لهم لم يسمعوا به قط "لست أتبين في هذه الصورة المخزية الإله الذي على أن أعبده، وسأشينه بمثل هذه الإهانة والولاء". ومع ذلك ترى الشاعر يحس النبل والإلهام الحي في الفكرة المسيحية عن المخلص:
"انظري إلى المسيح، القوي المجيد .. يدوس الموت تحت قدميه الظافرتين، ويخرج منتصراً من أبواب الجحيم. إن مثله