للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سواء كان هذا التعطيل خيراً أو شراً. فلم يمول الرجل حديث العهد برأس المال مصنعاً ما دام في قدرته أن يجعل مائة أسرة تغزل وتنسج له تحت أسقفهم ووفق نظام المنافسة الأوتوماتي؟ لقد أنتجت هذه الصناعة البيتية في قسم "وست رايدنج" بيوركشير ١٠٠. ٠٠٠ قطعة قماش للسوق في ١٧٤٠، و١٤٠. ٠٠٠ قطعة في ١٧٥٠، وغلى عام ١٨٥٦ لم يرد من المصانع سوى نصف إنتاج الصوف، أما النصف الثاني فظل يرد من البيوت (٨). على أن تلك البيوت الشاغية بالحركة كانت في الواقع مصانع وليدة، فرب البيت يدعو الخدم والغرباء ليشاركوا في العمل، والحجرات الإضافية تجهز بدواليب الغزل وأنوال النسيج. فلما ازداد حجم تلك العمليات البيتية واتسعت السوق بفضل الطرق المحسنة والسيطرة على البحار، خلقت الصناعات البيتية ذاتها الطلب على آلات أفضل وكانت الاختراعات الأولى أدوات أكثر منها مكناً. وكان في الإمكان تركيبها في المنزل، مثل مكوك "كي" الطائر، ولم يحل نظام المصنع محل الصناعة المنزلية إلا حين صنع المخترعون آلات تتطلب القوة الميكانيكية.

وكان الانتقال تدريجياً، فقد اقتضى قرناً تقريباً (١٧٣٠ - ١٨٣٠)، وربما كانت كلمة "ثورة" لفظاً أعنف مما يحتمله تغيير بطيء كهذا. ولم يكن الانتقاض على الماضي حاداً بالدرجة التي أوحت بها في الماضي النزعة الروائية في كتابة التاريخ، فالصناعة قديمة قدم الحضارة، وقد تقدم الاختراع بسرعة متزايدة منذ القرن الثالث عشر، وكانت المصانع في فلورنسة على عهد دانتي كثيرة كثرة الشعراء، والرأسماليون في هولندا أيام رمبرانت كثيرين كثرة المصورين. ولكن التغيير الصناعي الذي طرأ في القرنين الأخيرين (١٧٦٠ - ١٩٦٠) إذا نظرنا إليه في مراحله المتصاعدة، من البخار إلى الكهرباء إلى النفط إلى الإلكترونيات والطاقة الذرية، بالقياس إلى معدل التغيير الاقتصادي في أوربا قبل كولمبس- هذا التغيير يشكل ثورة حقيقية لم تغير الزراعة والنقل والمواصلات والصناعة فحسب تغييراً أساسياً، بل غيرت كذلك السياسية والعادات والأخلاق والدين والفلسفة والفن.

وقد تضافرت عوامل عديدة على فرض التغيير الصناعي. فالحروب التي أعقبت سقوط وزارة ولبول (١٧٤٢) حثت على زيادة سرعة