لتنقية خام الحديد ليصبح حديداً أقوى وأصفى وأطوع بفصل الفلز عن المواد المعدنية العالقة به. والتنقية استلزمت الصهر، الذي استلزم درجة عالية من الحرارة؛ وكانت هذه الحرارة منذ القرن الرابع عشر تنتج بإشعال الفحم النباتي (وهو الخشب المتفحم) في أفران عالية تسلط عليها تيارات قوية من الهواء؛ ولكن الفحم النباتي أصبح الآن أغلى ثمناً بسبب تناقص موارد الخشب. وفي ١٦١٢ أشار سيمون ستورتفانت باستخدام الفحم الحجري وقوداً صاهراً. وزعم "دَ د" دَ دلي (أي الفاشل) في ١٦١٩ أنه خفض تكاليف صهر الحديد بهذه الوسائل إلى النصف، ولكن منافسيه الذين استخدموا الفحم النباتي تضافروا لإقصائه عن هذه الصناعة. وأخيراً (حوالي ١٧٠٩) وفق أبراهام داربي الأول، الذي استوطن كولبروكديل حيث الفحم كثير، في صهر خام الحديد بنجاح وبتكاليف قليلة، وذلك بتسخينه فحم الكوك- أي الفحم المحرق بقدر يكفي لتخليصه من عناصره الطيارة. أما الكوك فكان معروفاً منذ عام ١٥٩٠. وطور أبراهام داربي الثاني استعمال الفحم أو الكوك في الصهر، وحسن الأفران العالية بمنفاخ يشغله دولاب مائي، وسرعان ما استطاع أن يفوق في مبيعاته كل أصحاب مصانع الحديد في إنجلترا وفي ١٧٢٨ أنشئ أول مصنع إنجليزي للحديد لتمرير الحديد بين سلسلة من الأسطوانات تضغطه لإخراج الأشكال المطلوبة. وفي ١٧٤٠ اخترع بنيامين هنتسمان طريقة البوتقة التي كان ينتج بها الصلب العالي الرتبة بتسخين المعدن وتنقيته في قدور من الفخار. هذه التطورات في المزاوجة بين الفحم والحديد هي التي يسرت اختراع آلات الثورة الصناعية.
جـ - الاختراع
لم يشهد النصف الأول من القرن الثامن عشر زيادة لافتة للأنظار في سرعة الاختراع بالقياس إلى القرنين السابقين، وقد نحتاج إلى نصف مجلد لتعدد الاختراعات التي ورثها هذا العصر من سابقه. مثال ذلك أن الساعة الكبيرة، التي لا غنى عنها في العلم والصناعة والملاحة، أبلغت مرتبة الكمال تقريباً في القرن السابع عشر، وبحلول عام ١٧٥٨ وصلت إلى درجة من الدقة (لا يعدو الانحراف فيها دقيقة كل ستمائة