للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك الهجو الشديد مكتوب على صورة قصص خيالية، ولكن الخيال هنا ليس أطراف من الواقع. فقد كان لجوناثان وجهان مثل جانوس، ينظم اللصوص ويدير شئونهم ويستغلهم، ويشتري بضائعهم المسروقة بالثمن الذي يفرضه، ثم يشي بهم للقضاء إذا تمرد عليه شركاؤه. وفتح في الوقت ذاته مكتباً لطيفاً يستقبل فيه ضحايا السرقات، وكان يعدهم لقاء مكافأة كبيرة بأن يرد لهم بضائعهم أو مالهم، ومن حصيلة هذا كله يحتفظ بعدة خليلات ويعيش في ترف قرابة خمسة عشر عاماً. ولكن ثراءه فاق حكمته، فقبض عليه بتهمة الاتجار في بضائع مسروقة، وشنق، فابتهج جمهور غفير بشنقه (١٧٢٥). وربما كان هو المثال الذي نسج على منواله مستر بيتشم في "أوبرا الشحاذ".

وساد العبث بالقانون المجتمع كله علوا وسفلاً، من النشال المهذب إلى التاجر المهرب إلى المبارز الحامل لقب النبالة. وكان هناك مئات المبارزات، جرى بعضها على قارعة الطريق، وبعضها في هايد بارك أو حدائق كنزنجتن، ولكن أكثرها في "حقل الأربعين خطوة" خلف قصر مونتاجيو (المتحف البريطاني الآن). وندر أن كانت المبارزات قتالة، لأن المسدسات كانت رديئة الصنع، وقل من الرجال من استطاع تصويبها بدقة على ثلاثين خطوة، وأغلب الظن أن كثيراً من المقاتلين حرصوا على إطلاقها فوق رأس الغريم؛ على أية حال كان الصلح يتم عادة بعد أول جرح. وكانت المبارزات غير مشروعة، ولكن يغضي عنهما بحجة أنها تشجع على التأدب في الحديث. وندر أن اعتقل مبارز إلا في الإصابات المميتة، وإذا استطاع الخصم الحي أن يثبت أنه اتبع قواعد اللعبة كان يفرج عنه بعد قضائه فترة قصيرة في السجن.

وفي سنة ١٧٥١ نشر فيلدنج، وكان يومها قاضياً، "تحقيقاً في أسباب الزيادة الأخيرة في عدد اللصوص، الخ، مشفوعاً ببعض المقترحات لعلاج هذا الشر المتفاقم". ولم يعز الزيادة في أكثرها إلى الفقر بل إلى ظهور "الترف" بين الطبقات الدنيا؛ فعامة الشعب لديهم الآن من المال ما يتيح لهم ارتياد الحانات، وحدائق اللهو، والمسارح، والمراقص التنكرية، والأوبرات، وهناك يلقون بأشخاص خبروا الفجور وحذقوا