للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما لاحظ فولتير ومونتسكبو قبيل ذلك، دبر بطريقة تدعو إلى الإعجاب حماية الفرد وممتلكاته من طغيان أي ملك، ولعله كان يثني على "الهابياس كوربس"، ومحاكمة المتهمين على يد محلفين، وعلى مدارس الحقوق العظيمة في جمعيات لندن القانونية. ولم يكن بالأمر الهين حقاً أن يحرم اعتقال أي شخص إنجليزي دون إذن قانوني، أو سجنه دون محاكمة، أو عقابه دون إدانة من محلفين من نظرائه، وألا تفرض عليه ضرائب دون موافقة البرلمان، وأن يكون في استطاعته أن يجتمع مع زملائه شريطة ألا يخل بالنظام، وأن من حقه أن يقول ما يشاء، إلا أن يكون ذلك تحريضاً، أو قذفاً، أو فحشاً، أو تجديفاً. ولكن مشرعي إنجلترا كانوا من الحرص الشديد على حماية الفرد من الدولة بحيث أخفقوا في حماية المجتمع من الفرد. لذلك كان جهاز تنفيذ القانون ينهار أمام تفشي الجريمة وتنظيمها.

وكان يقوم على تنفيذ القانون العام قضاة صلح، يمكن أن تستأنف قراراتهم أمام قضاة يقضون في وستمنستر أو يسافرون ستة أشهر في السنة ليعقدوا جلسات دورية في مدن المقاطعات. وكان هؤلاء القضاة يتمتعون بمناصب مدى الحياة، ويبدون مستوى معقولاً من النزاهة. وبقيت المحاكم الكنسية على قيد الحياة وإن اقتصرت على نظر القضايا غير الجنائية التي يتهم فيها الكهنة فقط، أو الفصل في صحة الزيجات، أو تنفيذ الوصايا. وكان لمحكمة الأميرالية اختصاص على القضايا البحرية دون غيرها. وفوق هذه المحاكم كانت تقوم المحكمة العليا التي يرأسها قاضي القضاة. أما المحكمة العليا للبلاد فهي البرلمان ذاته، يحاكم مجلس العموم عامة الناس ومجلس اللوردات النبلاء. وكانت المساواة أمام القانون لا تزال ناقصة، لأن النبلاء كانوا عادة ينجون من العقاب. فقد اعدم إيرل فرز الرابع عام ١٧٦٠ لقتله وكيله، ولكن حوكمت دوقة كنجتزن أمام مجلس اللوردات في ١٧٧٦ وأدينت بتهمة الزواج برجلين في وقت واحد، أطلق سراحها دون عقاب سوى تغريمها الرسوم. وظلت اللاتينية لغة المحاكم حتى سنة ١٧٣٠ حين حلت الإنجليزية محلها، الأمر الذي تألم له بلاكستن أشد الألم.

وفي محاكمات الجنايات الكبرى (ومعظم الجنايات كانت كبرى)