بصاحبها (أي العلبة) أفرغ الصائغ والجواهري، وصانع المينا، ورسام المنمنمات، أرق ما جاد به فنهم.
وكانت مشارب القهوة الثلاثمائة في لندن مراكز للقراءة كما كانت منتديات للسمر. فقد اشتركت في الجرائد والمجلات، وأدارتها على زبائنها، ووفرت الأقلام والورق والحبر، وتسلمت الخطابات لإرسالها بالبريد، وقبلت أن تحفظ البريد المرسل إلى عناوينها. وتطورت بعض مشارب القهوة أو الكاكاو، مثل مشرب هوايت، في هذه الفترة إلى أندية خاصة يطمئن الرجال إلى أن يجدوا فيها الصحبة التي يؤثرونها على غيرها، ويستطيعون أن يلعبوا القمار بمنأى عن عيون الرقباء. وما اختتم القرن الثاني عشر حتى كان عدد الأندية مماثلاً لما كان عليه عدد مشارب القهوة في بدايته. ويبدو أن الماسون (البنائين الأحرار) بدءوا تاريخهم الإنجليزي على هيئة ناد سموه "المحفل الكبير"-نظم بلندن في ١٧١٧. وشجعت الأندية الشرب والقمار والدس السياسي، ولكنها علمت الرجال على الأقل نصف فن الحديث. أما النصف الآخر من هذا الفن فكان مفقوداً، لأن الأندية كانت خلوات للعزاب، ولم يجد الأدب الأرفع والفكاهة الأرق اللذان يتطلبهما وجود النساء ما يحفزهما هناك. فلقد كانت إنجلترا بلد الرجال، أما النساء فلم يكن لهن في حياتها الثقافية إلا حظ ضئيل، ولم يكن بها صالونات، فلما حاولت الليدي ماري مونتاجيو أن تقيم صالوناً نظر القوم إليها كأنها مخلوق غريب الأطوار لا يعرف أين مكانه (٩٥).
واستطاعت النساء في الطبقات العليا أن يستخدمن مهاراتهن في الاستقبالات، والمراقص، وحفلات الموسيقى في البلاط أو في بيوتهن. وكانت نهاية الأسبوع في بيوت الريف حدثاً جميلاً في الحياة الإنجليزية لا يكدره بعض الشيء غير تلك "البقاشيش" الكبيرة التي ينتظر الخدم أن ينفحوا بها، وكان على الضيف وهو يغادر البيت أن يغامر بالمرور وسط الأتباع، والسقاة، والخدم، والقهرمانات، والبوابين، والخادمات، والطباخين وغيرهم من الخدم والحشم يقفون في صفين عند الباب، في حين ينتظر سائق المركبة وسائس الخيل خارجاً في عبوس وتجهم. وما ذاع عن ولاء الخدم البريطانيين لسادتهم لم يكن