كأولئك الذين ألفوا ارتياد القصور، وهم القطا الأنيق من النوع الإنساني. وأدبهم عفوي طبيعي، وعليك أن تميز بينه وبين تأدب الدهماء والريفيين، وهو تأدب مقيّد أو مزعج دائماً .. فالرجل المهذب يبدي رغبة دائمة في أن يسر من يتحدث إليه، ويحرص على ألا تكون تحياته مزعجة. وقل من الإنجليز من يتصفون بالأدب الكامل فهم أما خجلون وأما وقحون، في حين تجد معظم الفرنسيين طبيعيين مؤدبين في سلوكهم. وبما أنك بحكم النصف الأفضل فرنسي صغير، فإني أرجو أن تكون على الأقل "نصف" مهذب. وستكون أميز وأبرز في بلد ليس الأدب فيه فضيلة غالية (١٠٠)".
وعليه فحين بلغ فليب الرابعة عشرة أرسله أبوه إلى باريس باعتبارها المدرسة التي تنتهي صقل عاداته وإن كان عليماً بأنها ستنهي فضائله أيضاً. وكان على الفتى أن يتعلم أساليب الحياة أن أراد أن ينفع حكومته. والدراسة المناسبة لرجل الدولة هي دراسة الإنسان، فبعد أن علم الوالد ولده العلوم الكلاسيكية وفنون الأدب عن طريق المعلمين الخصوصيين والرسائل، رده الايرل-الذي كان خبيراً بهذه العلوم والفنون-من الكتب إلى البشر. قال:
"يا صديقي العزيز، إن قلة قليلة من المفاوضين المشهورين هم الذين برزوا بفضل علمهم … فدوق ملبره الراحل، الذي كانت كفايته مفاوضاً تعدل على الأقل كفايته قائداً حربياً، كان جاهلاً جهلاً مطبقاً بالكتب، ولكنه كان خبيراً بالرجال، في حين ظهر أن جروتيوس العلامة كان وزيراً خائباً غاية الخيبة، سواء في السويد أو في فرنسا (١٠١) ".
فإذا شاء فليب أن يلتحق بالحكومة فينبغي له أولاً أن يدرس الطبقات الحاكمة، بيئتهم، وأخلاقهم، وعاداتهم، وغاياتهم، ووسائطهم؛ وألا يقرأ غير أجود الأدب ليكتسب أسلوباً حسناً في الكتابة، لأن هذا أيضاً جزء من فن الحكم؛ وأن يلم بالموسيقى والفنون، ولكن، حذار أن يتطلع لأن يكون مؤلفاً أو موسيقياً (١٠٢). وينبغي له أن يدرس بعناية تاريخ الدول الأوربية الحديث، ملوكها ووزرائها، قوانينها ودساتيرها، مالياتها ودبلوماسياتها، وليقرأ ما كتبه لاروشفوكو ولابرويير