عن طبائع البشر، إنهما حقاً "كلبيان"، ولكنك لن تخطئ خطأً كبيراً، في السياسة على الأقل، إن أنت توقعت من كل إنسان أن يسعى لتحقيق مصلحته كما يراها، ولنسيء الظن بأي سياسي يتظاهر بغير هذا. ولا نتوقع من الناس أن يكونوا معقولين، بل خذ في حسابك أهواءهم. "إن أهواءنا هي خليلاتنا، أما العقل فهو الحليلة على أحسن تقدير، يُسمَع كثيراً جداً بلا ريب، ولكن نادراً ما يعبأ به (١٠٣) " تعلم أن تتملق، لأنه لا يمتنع عن الملق سوى أحكم الحكماء وأقدس القديسين، ولكن كلما صعدت وجب أن يكون تملقك أرهف وأحوط. وأدرس أنساب أهم الأسر، لأن البشر أكثر افتخاراً بأنسابهم منهم بفضائلهم (١٠٤). وتودد للنساء، أولاً لتحصل على معونتهن، فحتى الحكام الأقوياء يتأثرون بالنساء الضعيفات، لا سيما إذا لم يكن أزواجهم.
أما في مسائل الجنس، فإن نصيحة تشسترفيلد لولده أضحكت الفرنسيين وروعت الإنجليز. فقد ذهب إلى أن طرفاً من العلاقات الغرامية الحرام إعداد ممتاز للزواج والنضج. واكتفى بالإصرار على أن تكون خليلات فليب نساء مهذبات، حتى يصقلنه وهن يأثمن معه. وزكى له مدام دوبان لما كانت عليه من "حسن التربية ورقة الطبع (١٠٥) " ولقن ابنه فن الإغواء. فعليه ألا يقبل أي تمنع وهو مستسلم، لأن:
"أكثر النساء فضيلة لن يسوءها أن يبوح لها رجل بحبه، بل إن ذلك يشبع غرورها شريطة أن يكون بأسلوب مؤدب لطيف. فإذا استمعت إليك، وسمعت لك أن تفصح ثانية عن حبك، فثق أنك إن لم تغامر بالباقي كله سخرت منك .. فإذا لم تلق منها أذناً مصغية فحاول ثانية، وثالثة، ورابعة. وثق، إذا لم يكن المكان قد احتل من قبل، إن في الإمكان غزوه (١٠٦) ".
قد أفضى الايرل، الذي لم يكن محظوظاً في الزواج ولا مولعاً به، إلى ولده برأيه في النساء، وهو رأي لم يكن بالحسن جداً:
"في هذا الموضوع سأفضي إليك ببعض الأسرار التي سيفيدك جداً أن تلم بها، ولكن عليك أن تحرص أشد الحرص على إخفائها وعلى ألا تبدو